عليها يتحاشون من أي ظلم وقسوة في سبيل حصول خفض العيش لطبقة ممتازة. أما ما اشتهر من عدل الروم فلم يكن إلا للروم فقط، إن هذه السيرة لا يمكن أن تقوم إلا على إدراك مادي محض للحياة والحضارة، وإن كانت ماديتهم قد هذبت بذوق عقلي ولكنها بعيدة عن جميع
القيم الروحية، إن الروم لم يدينوا بالدين جدياً أبداً، كانت آلهتهم التقليدية محاكاة شاحبة لأساطير الإغريق وخرافاتهم، وقد آمنوا بهذه الأرواح محافظة على الرابطة الاجتماعية التي كانت تربطهم وتوحدهم، فلم يكونوا يسمحون لهذه الآلهة بالتدخل في حياتهم العملية، كان لها أن يأذنوا أن تتكهن بالغيب - إذا سئلت عن ذلك - على لسان الكهان ولكن لم يحلوا لها أبداً أن تفترض شرائع أخلاقية على الناس (١))
الانحطاط الخلقي في الجمهورية الرومية:
وفي نهاية دور الجمهورية سال بالروم سيل الانحطاط الخلقي والبهيمية، وفاض بحر الترف في العيش والبذخ فيضاناً عظيماً - غاص الروم فيه إلى القاع وسالت فيه النظم الأخلاقية التي كانت الروم معروفين بها كالغناء، وتزعزع البناء الاجتماعي حتى كاد ينهدم، وقد صوره ((درابر)) الأمريكي بقلمه البليغ:
((لما بلغت الدولة الرومية في القوة الحربية والنفوذ السياسي أوجها، ووصلت في الحضارة إلى أقصى الدرجات هبطت في فساد الأخلاق وفي الانحطاط في الدين والتهذيب إلى أسفل الدركات. بطر الرومان معيشتهم وأخلدوا إلى الأرض واستهتروا استهتاراً، وكان مبدؤهم. أن الحياة إنما هي فرصة للتمتع، ينتقل فيها الإنسان من نعيم إلى ترف ومن لهو إلى لذة، ولم يكن زهدهم وصومهم في بعض الأحيان إلا ليبعث على شهوة الطعام، ولم يكن اعتدالهم إلا ليطول به عمر اللذة، كانت موائدهم تزهو بأواني الذهب والفضة مرصعة بالجواهر، ويحف بهم خدام في ملابس جميلة خلابة وغادات رومية حسان وغوان عاريات كاسيات غير