الدنيوية وربما تسبقها في فساد الأخلاق والدعارة والفجور، لذلك وقفت الحكومة المآدب الدينية التي كانت ترمي إلى عقد الألفة والأخوة بين المسيحيين وأعياد الشهداء والأولياء وذكرياتهم التي وجدت فيها الخلاعة والفجور حمى ومرتعاً، واتهم القسوس بكبائر ومنكرات.
ويقول الراهب ((جروم)) (Jarum) :
((إن عيش القسوس ونعيمهم كان يزري بترف الأمراء والأغنياء المترفين، وقد انحطت أخلاق البابوات انحطاطاً عظيماً واستحوذ عليهم الجشع وحب المال وعدوا طورهم، حتى كانوا يبيعون المناصب والوظائف كالسلع، وقد تباع بالمزاد العلني، ويؤجرون أرض الجنة
بالوثائق والصكوك وتذاكر الغفران. ويأذنون بنقض القانون، ويمنحون شهادات النجاة وإجازات والمحرمات والمحظورات كأوراق النقد وطوابع البريد، ويرتشون ويرابون، وقد بذروا المال تبذيراً حتى اضطر البابا انوسنت الثامن أن يرهن تاج البابوية. ويذكر عن البابا ليو العاشر أنه أنفق ما ترك البابا السابق من ثروة وأموال، وأنفق نصيبه ودخله، وأخذ إيراد خليفته المترقب سلفاً وأنفقه، ويروى أن مجموع دخل مملكة فرنسا لم يكن يكفي البابوات لنفقاتهم وإرضاء شهواتهم (١)) .
تنافس البابوية والإمبراطورية:
وبدأ النزاع والمنافسة بين البابوية والإمبراطورية في القرن الحادي عشر، فاشتدت بعنف وحمي وطيسها، وانتصرت فيها البابوية أولاً حتى إن هنري الرابع ممثل الإمبراطورية اضطر سنة ١٠٧٧م أن يتقدم بخضوع نحو البلاط البابوي في قلعة كانوسا ولم يسمح له البابا بالدخول إلا بعد أن شفع له الرجال، فسمح له بالمثول بين يديه. فدخل الإمبراطور صاغراً حافياً لابساً الصوف وتاب على يديه فغفر له البابا زلته. وكانت الحرب بين البابوية والإمبراطورية بعد ذلك سجالاً حتى ضعفت البابوية، وبقي الناس هذه المدة الطويلة يتنازعهم عاملان ديني ودنيوي وبقوا يرزحون تحت نيرين إمبراطوري وبابوي.