للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

بورتل بيد، وأخذ يد كاربورل هارنر بيده الأخرى وأخذ كل بيد الآخر وبدأوا يغنون في رقصة وانطلق المستر تشرشل إلى الباب وقال ليهنكم جميعاً ورزقنا الله الفتح، وجعلت الجماعة تغني في حدة وتصفيق، وخط رئيس الوزراء حرف v وانصرف إلى عربته سعيداً مسروراً)) .

قارن هذه الطبيعة المادية بالنفسية الدينية وتعاليم الدين وعمل المتدينين وسيرتهم في الحروب والأخطار ففي القرآن {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ} وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبهُ أمر فزع إلى الصلاة، وفي سيرة ابن هشام في وقعة بدر الكبرى قال ابن إسحاق: ثم عدَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ليس معه غيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد.

والمادية لأسباب حتمية طبيعية وتاريخية وعلمية قد أصبحت شعار الحضارة الغربية والحياة الغربية منذ عهد عريق في التاريخ، ولم تزدها النشأة الجديدة والنهضة العلمية والسياسية في أوربا إلا حدة وقوة، وقد لاحظ هذا الامتياز كثير من علماء الغرب والشرق، فمن علماء

الشرق الأستاذ الألمعي الرحالة ذو النظر الثاقب عبد الرحمن الكواكبي في مستهل هذا القرن فقد قال في كتاب ((طبائع الاستبداد)) :

((الغربي مادي الحياة، قويُّ النفس شديد المعاملة، حريص على الاستئثار حريص على الانتقام، كأنه لم يبق عنده شيء من المبادئ العالية والعواطف الشريفة التي نقلتها له مسيحية الشرق، فالجرماني مثلاً جاف الطبع يرى أن العضو الضعيف الحياة من البشر يستحق الموت، ويرى كل الفضيلة في القوة وكل القوة في المال، فهو يحب العلم ولكن لأجل المال ويحب المجد ولكن لأجل المال، واللاتيني منه مطبوع على العجب والطيش، يرى العقل في الانطلاق، والحياة في خلع الحياة، والشرف في الزينة واللباس، والعز في التغلب على الناس)) .

وهذا تصوير صادق للطبيعة الأوربية وتحليل صحيح للنفسية الغربية، ولا نظن المرحوم الكواكبي قد تحامى الكلام على غير الجنسين الألماني واللاتيني إلا تفادياً من الوقوع في العنت، فجعل الألماني واللاتيني مثلاً لسائر الأوربيين.

<<  <   >  >>