((إن مصر كانت تضيف إلى مالية الدولة البيزنطية مجموعاً كبيراً من حاصلها ومنتجاتها، وكانت طبقات الفلاحة المصرية - مع حرمانها من كل قوة سياسية ومن كل نفوذ - مرغمة على أداء الخرج للدولة الرومية ككراء الأرض فضلاً عن الضرائب، وكانت ثروة مصر في هذا العهد إلى الانتقاص والانحطاط (١)) .
وهكذا اجتمع لمصر من الاضطهاد الديني، والاستبداد السياسي والاستغلال الاقتصادي ما شغلها بنفسها، وكدر عليها صفو حياتها، وألهاها عن كل مكرمة.
الحبشة:
أما جارتها الحبشة فكانت على المذهب (المونوفيسي) كذلك، وكانت مع ذلك تعبد أوثاناً كثيرة استعارت بعضها من الهمجية، ولم يكن التوحيد إلا ضرباً راقياً من الوثنية خلعت عليها لباساً من علم ومصطلحات نصرانية، ولم تكن في الدين بذات روح، ولا في الدنيا بذات طموح، وقد قضى مجمع (نيقية) أن ليس لها استقلال بأمورها الدينية، وإنما هي تابعة للكرسي الإسكندري.
الأمم الأوروبية الشمالية الغربية:
أما الأمم الأوروبية المتوغلة في الشمال والغرب فكانت تتسكع في ظلام الجهل المطبق، والأمية الفاشية، والحروب الدامية، لم ينبثق فيها فجر الحضارة والعلم بعد، ولم تظهر على مسرحها الأندلسي لتؤدي رسالتها في العلم والمدنية، ولم تصهرها الحوادث، وكانت بمعزل جادة قافلة الحضارة الإنسانية بعيدة عنها، لا تعرف عن العالم ولا يعرف العالم المتمدن عنها إلا قليلاً، ولم تكن - مما يجري في الشرق والغرب مما يغير وجه التاريخ - في عير ولا نفير، وكانت بين نصرانية وليدة، ووثنية شائبة، ولم تكن بذات رسالة في الدين، ولا بذات راية في السياسة.
(١) Historian's History of the World , V. VII p. ١٧٣.