للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

من عذاب الله ومن نار جهنم.

علم الله عند بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم أن الروم والفرس والأمم المتحضرة المتصرفة بزمام العالم المتمدن لا تستطيع بحكم حياتها المصطنعة المترفة أن تتعرض للخطر وتتحمل المتاعب والمصاعب في سبيل الدعوة والجهاد وخدمة الإنسانية البائسة , ولا تستطيع أن تضحي بشيء من دقائق مدنيتها في الملبس والمأكل وأن تتنزل عن حظوظها ولذاتها وزخارفها فضلاً عن حاجاتها، وأنه لا يوجد فيها أفراد يقوون على قهر شهواتهم، والحد من طموحهم، والزهد في فضول الحياة ومطامع الدنيا، والقناعة بالكفاف، فاختار لرسالة الإسلام وصحبة الرسول عليه الصلاة والسلام أُمة تضطلع بأعباء الدعوة والجهاد وتقوى على التضحية والإيثار، تلك هي الأمة العربية القوية السليمة التي لم تبتلعها المدنية ولم ينخرها البذخ والترف وأولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر الناس قلوباً وأعمقهم علماً وأقلهم تكلفاً.

قام الرسول بهذه الدعوة العظيمة فأدى حقوقها: من الجهاد في سبيلها وإيثارها على كل ما يقف في وجهها، والعزوف عن الشهوات ومطامع الدنيا فكان في ذلك أسوة وإماماً للعالم كله، وفد قريش وعرض عليه كل ما يغري الشباب ويرضي الطامحين من رئاسة وشرف ومال عظيم وزواج كريم، فرفض كل ذلك في صرامة وصراحة، وكلمة عمه وحاول أن يحد من نشاطه في سبيل الدعوة فقال: ((يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته)) ثم كان أسوة للناس في عصره وبعد عصره بقيامه بأكبر قسط من الجهاد والإيثار، والزهد وشظف

العيش وأقل قسط من العيش وأسباب الحياة، فقد أوصد على نفسه الأبواب وسد في وجهه الطرق وتعدى ذلك إلى أسرته وأهل بيته والمتصلين به، فكان أكثر الناس اتصالاً به وأقربهم إيه أقلهم حظاً في الحياة , وأعظمهم نصيباً في الجهاد والإيثار , فإذا أراد أن يحرم شيئاً بدأ ذلك بشيرته وبيته , وإذا سن حقاً أو فتح باباً لمنفعة قدم الآخرين وربما حرمه على عشيرته الأقربين. أراد أن يحرم الربا فبدأ بربا عمه عباس بن عبد المطلب فوضعه كله , وأراد أن يهدر دماء الجاهلية فبدأ بدم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب فأبطله , وسن الزكاة وهي منفعة مالية عظيمة مستمرة إلى يوم القيامة فحرمها على عشيرته بني هاشم إلى آخر الأبد , وكلمه علي بن أبي طالب يوم الفتح أن يجمع لبني هاشم

<<  <   >  >>