وَالثَّمَرَاتِ} وقال:{أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ} وكان إحجام العرب عن هذه المكرمة وترددهم في ذلك امتداداً لشقاء الإنسانية واستمراراً للأوضاع السيئة في العالم فقال: {إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} .
وقد وقف العالم في القرن السادس المسيحي على مفترق الطرق إما أن يتقدم العرب ويعرضوا نفوسهم وأموالهم وأولادهم وكل ما يعز عليهم للخطر ويزهدوا في مطامع الدنيا ويضحوا في سبيل المصلحة الاجتماعية بأنانيتهم فيسعد العالم وتستقيم البشرية وتقوم سوق الجنة وتروج بضاعة الإيمان، وإما أن يؤثروا شهواتهم ومطامعهم وخظوظهم الفردية على سعادة البشرية وصلاح العالم فيبقى العالم في حمأ الضلالة والشقاء إلى ما شاء الله، وقد أراد الله بالإنسانية خيراً وتشجع العرب - بما نفخ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم من روح الإيمان والإيثار وحبب إليهم الدار الآخرة وثوابها - فقدموا أنفسهم فداء للإنسانية كلها وزهدوا في مطامع الدنيا طمعاً في ثواب الله وسعادة النوع الإنساني وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وضحوا بكل ما يحرص عليه الناس من مطامع وشهوات وآمال وأحلام وأخلصوا لله العمل والجهاد فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين.
وقد استدار الزمان كهيئته يوم بعث الرسول ووقف العالم على مفترق الطرق مرة ثانية إما أن يتقدم العرب - وهم أمة الرسول وعشيرته - إلى الميدان ويغامروا بنفوسهم وإمكانياتهم ومطامحهم ويخاطروا فيما هم فيه من رخاء وثراء ودنيا واسعة، وفرص متاحة للعيش وأسباب
ميسورة فينهض العالم من غثاره وتتبدل الأرض غير الأرض وإما أن يستمروا فيما هم فيه من طمع وطموح، وتنافس في الوظائف والمرتبات وتفكر في كثرة الدخل والإيراد وزيادة غلة الأملاك وربح التجارات والحصول على أسباب الترف والتنعم فيبقى العالم في هذا المستنقع الذي يتردى فيه منذ قرون.
إن العالم لا يسعد وخيرة الشباب في العواصم العربية عاكفون على شهواتهم تدور حياتهم حول المادة والمعدة لا يفكرون في غيرهما ولا يترفعون عن الجهاد في سبيلهما ولقد كان شباب بعض الأمم الجاهلية الذين ضحوا بمستقبلهم في سبيل المبادئ التي اعتنقوها أكبر منهم نفساً، وأوسع منهم فكراً، بل كان الشاعر الجاهلي ((امرؤ القيس)) أعلى منهم همة، إذ قال: