للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وكان ملوك إيران لا يولون وضيعاً وظيفة من وظائفهم (١) ، وكان العامة كذلك طبقات متميزة بعضها عن بعض تميزاً واضحاً، وكان لكل واحد مركز محدد في المجتمع (٢)) .

وكان في هذا التفاوت بين طبقات الأمة امتهان للإنسانية يظهر لك جلياً في مجالس الأمراء والأشراف، حيث يقوم الناس على رؤوس الأمراء كأنهم جماد لا حراك بهم ويجلسون مزجر الكلب، وقد أكبر ذلك على رسول المسلمين وأنكره، ويتبين مما روى الطبري ما وصل إليه الفرس من الاستكانة والخضوع لسادتهم جرياً على عاداتهم، قال:

((عن أبي عثمان النهدي قال لما جاء المغيرة إلى القنطرة فعبرها إلى أهل فارس أجلسوه واستأذنوا رستم في إجازته، ولم يغيروا شيئاً من شارتهم تقوية لتهاونهم، فأقبل المغيرة بن شعبة والقوم في زيهم عليهم التيجان والثياب المنسوجة بالذهب، وبُسطهم على غلوة، ولا يصل إلى صاحبهم حتى يمشي عليها غلوة، وأقبل المغيرة وله أربع ضفائر يمشي حتى جلس معه على سريره ووسادته، فوثبوا عليه فترتروه وأنزلوه ومغثوه، فقال: كانت تبلغنا عنكم الأحلام ولا أرى قوماً أسفه منكم، إنا معشر العرب سواء لا يستعبد بعضنا بعضاً إلا أن يكون محارباً لصاحبه، فظننت أنكم تواسون قومكم كما نتواسى، وكان أحسن من الذي صنعتم أن تخبروني أن بعضكم أرباب بعض، وأن هذا الأمر لا يستقيم فيكم فلا نصنعه، ولم آتكم ولكن دعوتموني. اليوم علمت أن أمركم مضمحل، وأنكم مغلوبون، وأن ملكاً لا يقوم على هذه السيرة ولا على هذه العقول (٣)) .


(١) أيضاً ص ٤٢٢.
(٢) ((إيران في عهد الساسانيين)) ص ٤٢١.
(٣) الطبري ج٤ ص ١٠٨.

<<  <   >  >>