للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أصنام العرب في الجاهلية:

ولم يزل هذا الفريق الثاني يقوى أمره ويستفحل مع إمعان القوم في الجاهلية وقرب هذه النزعة الوثنية إلى الحواس والمحسوسات واتفاقه مع ضعف التفكير حتى أصبحت هذه العقيدة السائدة وأصبح الذين يميزون بين الآلهة والوسطاء شواذ في الأمة، ومن رجال الطبقة المثقفة، وهكذا انغمست الأمة في الوثنية وعبادة الأصنام بأبشع أشكالها، فكان لكل قبيلة أو ناحية أو مدينة صنم خاص، بل كان لكل بيت صنم خصوصي: قال الكلبي: كان لأهل كل دار من مكة صنم في دارهم يعبدونه، فإذا أراد أحدهم السفر كان آخر ما يصنع في منزله أن يتمسح به، وإذا قدم من سفر كان أول ما يصنع إذا دخل منزله أن يتمسح به أيضاً (١) . واستهترت العرب في عبادة الأصنام، فمنهم من اتخذ بيتاً، ومنهم من اتخذ صنماً، ومن لم يقدر عليه ولا على بناء بيت نصب حجراً أمام الحرم، وأمام غيره، مما استحسن، ثم طاف به كطوافه بالبيت وسموها الأنصاب (٢) . وكان في جوف الكعبة- البيت الذي بني لعبادة الله وحده- وفي فنائها ثلاث مائة وستون صنماً (٣) ، وتدرجوا من عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة جنس الحجارة.

روى البخاري ن أبي رجاء العطاردي قال: كنا نعبد الحجر، فإذا وجدنا حجراً هو خير منه ألقيناه وأخذنا الآخر، فإذا لم نجد حجراً، جمعنا حثوة من تراب، ثم جئنا بالشاة فحلبنا عليه ثم طفنا به (٤) .

وقال الكلبي: كان الرجل إذا سافر فنزل منزلاً أخذ أربعة أحجار، فنظر إلى أحسنها فاتخذه رباً، وجعل ثلاث أثافي لقدره، وإذا ارتحل تركه (٥) .


(١) كتاب الأصنام ص ٣٣.
(٢) كتاب الأصنام ص ٣٣.
(٣) الجامع الصحيح للبخاري كتاب المغازي باب فتح مكة.
(٤) الجامع الصحيح للبخاري كتاب المغازي باب وفد بني حنيفة.
(٥) كتاب الأصنام.

<<  <   >  >>