تدفع إلى بني هوذة بن علي الحنفي باليمامة فيبذرقها حتى تخرج من أرض بني حنيفة ثم تدفع إلى تميم وتجعل لهم جعالة فتسير بها إلى أن تبلغ اليمن وتسلم إلى عمال كسرى باليمن (١) .
ظهر الفساد في البر والبحر:
وبالجملة لم تكن على ظهر الأرض أمة صالحة المزاج، ولا مجتمع قائم على أساس الأخلاق والفضيلة، ولا حكومة مؤسسة على أساس العدل والرحمة، ولا قيادة مبنية على العلم والحكمة، ولا دين صحيح مأثور عن الأنبياء.
لمعات في الظلام:
وكان النور الضعيف الذي يتراءى في هذا الظلام المطبق من بعض الأديرة والكنائس أشبه بالحباحب الذي يضيء في ليلة شديدة الظلام فلا يخترق الظلام، ولا ينير السبيل، وكان الذي يخرج في ارتياد العلم الصحيح، وانتجاع الدين الحق يهيم على وجهه في البلاد، ترفعه أرض وتخفضه أخرى، حتى يأوي إلى رجال شواذ في الأمم والبلاد، فيلجأ إليهم كما يلجأ الغريق إلى ألواح سفينة مكسرة، هشمها الطوفان، يدل على ندرتهم خبر سلمان الفارسي أكبر الرواد الدينيين في القرن السادس الذي شرق وغرب في الفحص عنهم، ولم يزل يتنقل من الشام إلى الموصل، ومن الموصل إلى نُصيبين، ومن نصيبين إلى عمورية، ويوصي به بعضهم إلى بعض، حتى أتى على آخرهم فلم يجد لهم خامساً، وأدركه الإسلام في هذا الظلام، قال سلمان:
((لما قدمت الشام، قلت: من أفضل أهل هذا الدين؟ قالوا: الأسقف في الكنيسة! قال فجئته، فقلت: إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون