"وعن سعيد بن جبير قال: "من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة": سعيد بن جبير تابعي جليل من جلة التابعين، ومن أعلمهم بالتفسير، ومن أهل العلم والعمل، ومعروف قتله الحجاج ولم يكمل الخمسين، فما أمهل بعده إلا يسيراً، وما طابت له الحياة بعد قتله، نسأل الله السلامة والعافية.
قال: "من قطع تميمة": يعني تعلقها إنسان، علقها على نفسه، أو على ولده، أو على دابته، أو على بيته، أو على سيارته.
"كان كعدل رقبة": كان كعدل رقبة أو عِدل؟ إذا كان من الجنس قيل: عِدل، وإذا كان من غير الجنس قيل: عَدل، يعني يعادل.
"من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة": كأنه أعتق رقبة، وهنا أعتق رقبة، وبدلاً من أن يعتقها من الرق أعتقها من الشرك، وأيهما أفضل أن يعتق الإنسان من رق مع كونه مسلماً يعبد الله ويؤدي حق مواليه، ويكون له الأجر مرتين، فيعتق هذا أو يعتق شخص عليه خطر من الخلود في النار؟ نعم، لا شك أن إخراجه من الشرك أفضل من إعتاقه، وهنا المشبه أفضل من المشبه به أو العكس؟
الأصل أن المشبه به هو الأقوى في وجه الشبه، والأدخل، وهنا المشبه الذي هو من أعتق هذا الشخص من هذا الشرك وأنقذه منه، كان كعدل رقبة، لكن هل هذا الثواب منوط بمجرد قطع التميمة ولو لم يمتثل صاحبها، ولو لم ينقذ من الشرك، وحينئذ يكون العتق أفضل منه، لكن إذا ترتب عليه أنه دعاه، واقتنع بما دعاه إليه، وقطع هذه التميمة لا شك أنه أفضل من العتق، أفضل حينئذ من العتق، ((لعن المؤمن كقتله))، في الحديث الصحيح:((لعن المؤمن كقتله)) يعني وجه الشبه أن القتل قضاء على دنياه، ولعنه يقتضي طرده من رحمة الله فهو قضاء على آخرته، فهو قضاء على آخرته، لكن اللعن لا يلزم منه القضاء على الآخرة، إلا على جهة التقدير، وإلا فإن كان مستحقاً لهذا اللعن، فهو بعمله استحق الطرد من رحمة الله، وإن كان لا يستحق لم يتضرر بهذا اللعن، ورجعت الكلمة إلى قائلها.