وأما توحيد الله بأفعال العباد وتخليص وتنقية هذا التوحيد فهذا هو الذي أشرك فيه المشركون القدامى والمحدَثون، فهم وإن كانوا يعترفون بأن الله -جل وعلا- هو الخالق، وهو الرازق، والمدبر، والمحيي والمميت، لا خالق غيره، لكنهم وإن صرفوا له شيئاً من أنواع العبادة إلا أنهم يصرفونها أيضاً لغيره، فقد أشركوا، وإن طافوا بالبيت لله -جل وعلا- إلا أنهم يقولون: لبيك لا شريك لك لبيك، إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، فهم يشركون مع الله -جل وعلا-، وهذا النوع من التوحيد وجد الخلل فيه قديماً وحديثاً.
والإمام المجدد -رحمه الله- يقرر -رحمة الله عليه- أن الشرك في هذا النوع في العصور المتأخرة في زمنه -رحمه الله- أشدّ مما كان في زمن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لماذا؟
لأن المشركين الذين بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- يشركون في الرخاء، لكنهم يخلصون في الشدة، ومشركو زمانه -رحمة الله عليه- ومن بعدهم إلى يومنا هذا شركهم دائم في الرخاء والشدة، تجده في أوقات الأزمات يقول: يا فلان، يا علي، يا حسين، يا بدوي، يا عبد القادر .. ، في أحلك الظروف يقول ذلك، لكن المشركين الذين بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [(٦٥) سورة العنكبوت]، يعني في حال الأمن يشركون، وفي حال الشدة يخلصون.
بينما تجد الآن والإنسان يتعرض إلى غرق أو حرق أو دهس أو ما أشبه ذلك يقول: يا فلان، يا فلان، فشركهم دائم في الرخاء والشدة.
فلما اشتدت الحاجة ومست بل دعت الضرورة إلى بيان هذا النوع من أنواع التوحيد خصص الإمام المجدد -رحمة الله عليه- هذا الكتاب في توحيد العبادة -توحيد الألوهية-.
سم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا وارفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، واغفر لنا ولشيخنا والسامعين، برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
قال الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله تعالى- في كتابه كتاب التوحيد: