محمد عبد الله ورسوله: هذان الوصفان لا بد منهما للتقابل، فإثبات العبودية للرسول -عليه الصلاة والسلام- تنفي الغلو، وأنه عبدٌ لا يستحق شيئاً من خصائص الإلهية، وإن وجد في أمته من غلا فيه الغلو الذي أوقعه في الشرك الأكبر، وُجِد هناك من الغلاة من جعلوه في مصاف الإله، بل هم منهم من جعله فوق الإله، ولم يترك للإله شيئاً:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
يعني ما ترك شيئاً لله، الدنيا والآخرة كلها من جود النبي -عليه الصلاة والسلام-
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
البوصيري يقول هذا الكلام!!
هذا رفع شأن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى مقام الربوبية والألوهية، وأنه جعله يستحق جميع ما للرب من خصائص.
" ((وأن محمداً عبده ورسوله)) ": هو مرسل من قبل الله -جل وعلا- صادق مصدق، لا يفتري على مرسِله، فإذا شهدنا بأنه مرسل من قبل الله -جل وعلا-، وهذا لا بد منه لدخول الجنة، على ما سيأتي.
" ((وأن عيسى عبد الله ورسوله)) ": التنصيص على عيسى دون سائر الأنبياء والرسل؛ لأنه اختلف فيه، فمن قوله: " ((عبد الله)) ": يؤخذ الرد على من جعله إله يعبد من دون الله، وأنه هو الله، أو ابن الله، أو ثالث ثلاثة، هو عبد لله -جل وعلا- كسائر عبيده، يؤمر فيأتمر ويُنهى فينتهي.
وهو أيضاً رسول مرسل من قبله -جل وعلا-، إلى قومه من بني إسرائيل، وأنه ليس كما تقول اليهود -قاتلهم الله-: "إنه ولد بغي! ".
فكونه رسولاً ينفي أن يكون ولدَ بغي، وكونه عبداً لله ينفي أن يكون معبوداً مع الله أو دون الله.
" ((وكلمته ألقاها إلى مريم، وروح منه)) ": عيسى -عليه السلام- خلق من أم دون أب، والناس لا يتصورون أن يوجد ولد دون أب، ولذلك بادروا باتهام أمه، بادروا باتهام أمه، وجاءت براءتُها في الكتب السماوية، ومنها القرآن، وأن عيسى كلمة، وجد بكلمة: كُنْ، فكان.
" ((ألقاها إلى مريم)) ": بواسطة جبريل، " ((وروحٌ منه)) ": كلمة، كلمته ألقاها إلى مريم، يعني خلقه بكلمة التي هي: كُنْ، وليس هو الكلمة نفسها، ليس هو الكلمة، وإنما خلق بالكلمة، ولذلك قال: ((ألقاها إلى مريم)).