"إلى قوله": وهو المقصود {وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ}: يعني أنهم محققون للتوحيد، محققون للتوحيد، مشفقون من أن ترد عليهم هذه الأعمال كما في قوله -جل وعلا-: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} [(٦٠) سورة المؤمنون]: يعني عندهم خوف وإشفاق من أن ترد عليهم الأعمال، وهذا إذا جمع المرء بين حسن العمل مع الخوف والوجل من أن يرد عليه هذا العمل؛ لأنه لا يركن إلى نفسه، بل ركونه إلى ربه -جل وعلا-، فإنه إذا اعتمد على نفسه ووكل إليها، فإنه يوكل إلى ضعف وعجز، لكنه يعمل الأعمال الصالحة، ويقدم ما يستطيعه من أوامر، ويترك ما أمر باجتنابه، ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ومع ذلك هو خائفٌ وجلٌ ألا يقبل منه هذا العمل، كما حصل من الصحابة -رضوان الله عليهم-، وفي مقابلهم أهل التفريط، بل أهل النفاق الذي يجمعون بين سوء العمل مع الأمن والإدلال بهذا العمل، ولا شك أن الخوف والخشية .. ، الخشية هي فائدة العلم، وخلاصته، والإشفاق بمعنى الخشية، {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [(٢٨) سورة فاطر]، تجد بعض الناس يمُنُّ على ربه بعبادته، بطاعته إذا فعل شيئاً كأنما أدخل الناس في دين الله، وأخرجهم من الظلمات إلى النور قاطبة وصارت جميع حسناتهم في ميزانه، إذا ركع ركعتين قد لا يحضر قلبه فيهما، يتكبر ويتبختر ويقول: الحمد لله احنا .. ، يعني مثل ما يسمع في المجالس، يقول: ما دمنا نصلي الحمد لله غيرنا ما يصلي، غيرنا ما يصلي، وسُمِع من يقول: إن النار سوف تمتلئ من الكفار، مئات الملايين بل ألوف الملايين كلهم كفار إلا القليل النادر، لا شك أن هذا أمن من مكر الله وهو من عظائم الأمور، من عظائم الأمور، كما أن مقابله -وهو اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله- مثله، فينبغي أن تكون حال المسلم في منزلة بين هذين الأمرين، خائفاً راجياً، يحسن العمل، يحرص على أن يعمل العمل مع توافر الشروط بالإخلاص والمتابعة، ومع ذلك يخشى ويخاف أن يرد عليه هذا العمل، ويرجو رحمة ربه، ويرجو رحمة ربه ولا يتكل على عمله.