هؤلاء الذين عرضوا مع نبيهم إنما هم بسبب دعوته لهم، لكن مقتضى النبوة هل مقتضاها الدعوة، أو أن هؤلاء اقتدوا به من غير دعوة؟ النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، على قول الأكثر، أو نقول هنا: الرسول رأيت الرسول ومعه الرهط، ورأيت الرسول ومعه الرجل والرجلان، ورأيت الرسول وليس معه أحد؛ لأنه دعا؟ أو أن الفرق يطلب إذا اجتمع بين النبي والرسول وإذا افترقا دخل كل واحد منهما في الآخر، أو يكون هذا من باب الرواية بالمعنى؛ لأن كل رسول نبي، كل رسول نبي، ولا ينفي كونه نبياً أن يكون رسولاً فيدعو قومه فيستجيب من يستجيب ويمتنع من يمتنع؛ لأنه لا يمكن أن يستدل بهذا الحديث على أن النبوة والرسالة بمعنىً واحد، ولا يمكن أن يقول قائل: النبي من أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه أخذاً من هذا الحديث؛ لأنه قد يكون رسولاً وهو في الوقت نفسه نبي؛ لأن كل رسول نبي، والاقتصار على أحد الوصفين لا ينفي الآخر.
" ((النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد)) ": هذا يدل على أن أكثر الناس أتباع للهوى والنفس والشيطان، والاستجابة لدى أكثر الناس الذين تشعرهم أنفسهم الخبيثة أنها إذعان واستكانة لمن دعاهم، المتكبرون المتجبرون، الملأ الذين استكبروا إيش يرون الاستجابة للرسل؟
يرونها استكانة وإذعان واستجابة لما طلب منهم، ولذا تجدون أكثر الأنبياء تبعهم قليل، ((فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد))، وهذا لا يقدح في نبوته، ولا في رسالته، ما هي المسألة تجارة على التصريف، لا، ما عليك إلا البلاغ، عليك أن تبلغ، عليك أن تبذل السبب، والنتائج بيد الله، وعلى هذا يقال للآمر والناهي ويقال للداعي: لا تنظر إلى النتائج؛ لأنك إن نظرت إلى النتائج ما عملت، قد يقول القائل من رجال الحسبة: من عشرين سنة ونحن نأمر وننهى ما نشوف أحداً استجاب، وقد يقول الداعية: أنا من عقود وأنا أدعو الناس وهم في ازدياد من الضلال نسأل الله العافية، اكسب الراحة، قد يقوله لنفسه، وقد يقوله له بعض المخذلين.