العلم: الصغائر، كما في القيود التي ذكرنا ما اجتنبت الكبائر، وما لم تغشَ كبيرة، هذا واضح في أن المراد من السيئات الصغائر.
في قوله -جل وعلا-: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [(٣١) سورة النساء] مجرد اجتناب الكبائر كفيل بتكفير الصغائر، فقد يقول قائل: هذه الصغائر كفارتها الصلاة، فماذا بقي لرمضان؟ وماذا بقي للعمرة؟ وماذا بقي لاجتناب الكبائر؟ قد يقول قائل: ارتكب صغيرة، وصلى وانتهى، نقول: هذه الأعمال الجليلة تكفر الصغائر، فإذا أتت على الصغائر كلها خففت من الكبائر، لكنها لا تكفرها بحيث تذهب أثرها بالكلية، وقد يرفع له للعامل بها درجات، إذا لم توجد الصغائر، لكن لا يكاد ينفك من يغشَ الكبائر من الصغائر، فمن عمل كبيرة واحدة، وأصر على كبيرة، أو على كبائر لا بد أن توجد عنده الصغائر بكثرة، فهذا الكلام وإن كان افتراضي إلا أن هذا جوابه، هو افتراضي لكنه في الواقع الذي يزاول الكبائر لن ينفك عن الصغائر؛ لأنه بها يبدأ، والشيطان يستدرجه أولاً بالإكثار من المباح، ثم يوقعه في المكروهات، إذا استرسل في المباحات، ثم بعد ذلكم يبدأ بصغائر الذنوب، الشيطان لن يتركه حتى يخرج من دينه إن استطاع، فهو إذا استرسل معه في ذلك حمله على الكبائر، بعد أن يتجاوز مرحلة الصغائر، ولا شك أن من غشى كبيرة مرة في عمره مثلاً، وهو محافظ دينه بحيث لا يغشى الصغائر مثل هذا في الغالب أنه يوفق لتوبة، أن مثل هذا يوفق لتوبة نصوح؛ لأن الذي يعوق عن التوبة هو الاسترسال في المعاصي، والاعتماد على سعة رحمة الله، والأمن من مكر الله، فإذا تاب التوبة تهدم ما كان قبلها، فعلى كل حال هذه الأعمال جاءت بهذا السياق للحث عليها، الحث على الصلوات والصدقة والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ورمضان، والعمرة، وغير ذلك من الأعمال الصالحة {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(١١٤) سورة هود].