والفتن في الأصل: جمع فتنة، وهي الابتلاء والاختبار، الابتلاء والاختبار، يقولون: فتن الحداد أو الصائغ الذهب إذا أدخله في النار ليختبر جودته، والأمة الآن تفتتن وتمتحن وتختبر لينظر مدى تمسكها بدينها، الله -سبحانه وتعالى- يفتن ليختبر {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [(٣٥) سورة الأنبياء] {وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا} [(٤٠) سورة طه] ويفتن ويختبر ويبتلي الخلق بعضهم ببعض، فالفاتن من الخلق بإذن الله -عز وجل- وإرادته ولا يخرج شيء عن إرادته آثم إن لم يتب، {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} [(١٠) سورة البروج].
والمفتون: المفتون الطرف الآخر، وهو الأمة الإسلامية في مثل هذه الظروف، الفتنة لها سبب وهو إدبارها عن دينها، إدبارها عن دينها هذا هو السبب، فتنا وابتلينا بأعدائنا، والنتيجة إن استفدنا من هذه الفتن، ورجعنا إلى ديننا صارت الفتنة خيراً لنا، وإن استمر بنا الغي والضلال صارت سوءاً على سوء، {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ} [(٣٥) سورة الأنبياء] ابتلينا سنين بل عقود في هذه البلاد وغيرها بالجوع والخوف والقتل والنهب، وثبت أكثر المسلمين على دينهم، فلم يتنازلوا لا عن دين ولا عرض، ثم ابتلوا بعد ذلك بالسراء ففتحت عليهم الدنيا التي خشيها النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته، ((والله لا الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تفتح عليكم الدنيا كما فتحت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم)) وهذا هو الحاصل، فتحت علينا الدنيا فحصل الخلل الكبير، الابتلاء بالشر، الابتلاء بضيق ذات اليد بالفقر يتجاوزه كثيرٌ من الناس، لكن الابتلاء بالسعة، وانفتاح الدنيا، والغنى هذا قل من يتجاوزه، ولذا حصل ما حصل من الخلل الكبير بعد أن فتحت علينا الدنيا، وهذا أمرٌ تشاهدونه، النعم كفرت على كافة المستويات إلا من رحمه الله، لو نظرنا إلى واقع عموم المسلمين -عامة الناس- وجدناهم لما فتحت عليهم الدنيا فرطوا في أمر الله -عز وجل-، وتنكبوا عن الجادة، وقل مثل هذا في بعض من ينتسب إلى العلم، وبعض من ينتسب إلى طلب العلم فضلاً عن علية القوم.