((إنها ستكون فتن القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف -أي تطلع لها واستشرف- تستشرفه)) تهلكه بأن تجعله يشرف على الهلاك، لا سيما الفتن التي لا يظهر فيها وجه الصواب، ولا يظهر فيها رجحان إحدى الكفتين، ((من تشرف لها تستشرفه فمن وجد فيها ملجأً أو معاذاً -أو ملاذاً- فليعذ به)) وليلذ وليعتزل، وفي الصحيح:((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنماً يتبع بها شعف الجبال، يفر بدينه من الفتن))، وهذا سيأتي -إن شاء الله تعالى-، فالعزلة والسلامة لا يعدلها شيء؛ لأن الإنسان قد يدخل في مثل هذه الأمور ظناً منه أنه يصلح، لكنه قد يكون الأمر في غير مقدوره وطاقته فلينجُ بنفسه.
ثم قال -رحمه الله-: "حدثنا أبو اليمان -الحكم بن نافع- قال: أخبرنا شعيب -هو ابن أبي حمزة- عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة -بن عبد الرحمن- أن أبا هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه)) "، يعني التحذير، هذا فيه التحذير من المشاركة في الفتن، وهذا معروفٌ أنه مما لا يتبين فيه وجه الصواب، أما إذا تبين وجه الصواب بأن اعتدي على أحد تدخل يا أخي، ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً)) بغى على ولي الأمر بغاة، يساعد ولي الأمر بقمعهم، المقصود أنه إذا بان وجه الصواب ما تكون فتنة، وإلا لو بغى على ولي الأمر بغاة ثم تركوا يتصارعون، وكلٌ قال: هذه فتنة القاعد فيها إلى آخره .. ، ولنعتزل، من وجد معاذاً أو ملاذاً، تكون الأمور أعظم، ولا بد من الأخذ على يد مثل هؤلاء، ولا شك أنهم إن كان لهم تأويلٌ سائغ يقبل منهم تأويلهم، ويحاجون، ويناقشون، ويقنعون، والبغاة عند أهل العلم ليسوا بكفار، لكنهم لا شك أنهم معرضون للعقاب في الدنيا والآخرة، بقدر ما يترتب على فعلهم من أثر، فلو كان كل شخص يقول: أنا أعتزل مثل هذه الأمور صارت الدنيا ضياع، ما استقامت أمور الناس، حتى يقمع من أراد أن يشق عصا المسلمين، ويفرق جمعهم، ويثير المشاكل بينهم.