للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يخالف شرع الله، لقد كان أهل الجاهلية قبل الإسلام يتخذون من مواقف الحج منابر للفخر بالأحساب والأنساب وطعن بعضهم في بعض، ويتخذونها مفخرة لأحسابهم وأنسابهم، وتقديس شخصياتهم، فأنزل الله {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (١) ، أي: لا تجعلوا الحج إلا لله، لا تجعلوا فيه ذكرا للأسلاف والآباء، وإنما أخلصوا الحج لله، فهو عبادة لله، لا يليق أن يشوه هذا الحج، وأن يجعل فيه ما ليس منه.

أمة الإسلام، فرض الله الحج على أمة الإسلام، فحج نبيكم -صلى الله عليه وسلم- حجة واحدة في العام العاشر من هجرته، هذه الحجة هي حجة الوداع التي ودع فيها الناس، وأمرهم أن يتلقوا عنه مناسكهم قائلا لهم: «لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا (٢) » فاقتدى به الصحابة بأقواله وأعماله، فإنه ما قال قولا ولا عمل عملا إلا قال: «خذوا عني مناسككم (٣) »

[بيان صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم]

حج حجة واحدة، خرج إلى عرفة في مثل هذا اليوم، فنزل بنمرة، فلما زالت الشمس خطب بعرفة خطبة عظيمة جامعة حرم فيها الدماء والأموال، حرم دماء المسلمين وأموالهم، وأخبرهم أن كل مآثر الجاهلية ودماءها قد ألغاها، فلا يطالب بها بعد الإسلام، وأن ربا الجاهلية أبطله الإسلام وحرم الربا، وأوصاهم بالنساء خيرا، وبين ما لهن من الحقوق وما عليهن من الواجبات، ثم قال لهم: «وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به: كتاب الله (٤) » فأخبر أن اعتصام الأمة بكتاب الله سبب لهدايتها، وسبب لعزها، وسبب


(١) سورة البقرة الآية ٢٠٠
(٢) أخرجه النسائي في السنن الكبرى ٢\٤٢٥، كتاب: الحج، باب: الأمر بالسكينة في الإفاضة من عرفة، ح (٤٠١٦) ، والبيهقي في السنن الكبرى ٥ \١٥١، كتاب: الحج، باب: خطبة الإمام بمنى أوسط أيام التشريق، ح (٩٤٦٣) ، واللفظ للنسائي. وأصله عند مسلم في صحيحه ٢ \ ٩٤٣، كتاب: الحج، باب: استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وبيان قوله -صلى الله عليه وسلم-: '' لتأخذوا مناسككم؛ فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه ''
(٣) انظر تخريج الحديث السابق
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه ٢ \ ٨٩٠، كتاب: الحج، باب: حجة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ح (٢١٣٧)

<<  <   >  >>