للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقرينه وشكله، مندوحةً. فكيف بمن ملك الشرق والغرب، والأسود والأبيض، والحر والعبد، والشريف والوضيع، والعزيز والذليل.

[صلاح الجفوة في التأديب]

وعلى أنه ربما كانت جفوة الملك أصلح في تأديب الصاحب من اتصاله بالأنس، وإن كان ذلك لا يقع بموافقة المجفو، لأن فيها فراغ المجفو لنفسه، وتخلصه لأمره، ولما كان لا يمكنه الفراغ له من مهم أمره. وفيها أيضاً أنه إن كان المجفو من أهل السمر، وأصحاب الفكاهات، فبالحرى أن يستفيد بتلك الجفوة علماً طريفاً محدثاً له بالكتب ودراستها أو بالمشاهدة والملاقاة، وربما كان لا يمكنه قبل ذلك، وهو في شغله. ومنها أن جفوة الملك ربما أدبت الصاحب الأدب الكبير.

وذاك أنه كل من أنفس الملك مجلسه، وطال معه قعوده، وبه أنسه تمنى الفراغ، وطلبت منه نفسه التخلص والراحة والخلوة لإرادة نفسه. كما أنه من كثر فراغه وقل أناسه، جفي واطرح، وطلب الشغل والأنس وما أشبه ذلك.

فبهذه الأخلاق ركبت الفطر، وجبلت النفوس.

فإذا جاءه الفراغ الذي كان يطلبه ويتمناه من الجهة التي لم يقدرها، طلبت نفسه الموضع الذي يمله، والشغل الذي كان يهرب منه.

<<  <   >  >>