للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الحرب خدعة]

ومن أخلاق الملوك المكايدة في حروبها.

ولذلك كان يقال: ينبغي للملك السعيد أن يجعل المحاربة آخر حيله، فإن النفقة في كل شيء إنما هي من الأموال، والنفقة في الحروب إنما هي من الأنفس. فإن كان للحيل محمود عاقبةٍ، فذلك بسعادة الملك، إذا ربح ماله، وحقن دماء جيوشه. وإن أعيت الحيل والمكايد، كانت المحاربة من وراء ذلك.

فاسعد الملوك من غلب عدوه بالحيلة والمكر والخديعة.

وقد روينا عن نبينا، صلى الله عليه وسلم، ما يحقق هذا، ويؤكده بقوله: الحرب خدعة.

وليس لأحدٍ من الخدع ما لملوك الأعاجم. والأخبار في ذلك عنهم كثيرة. ولكنا نقتصر من ذلك على حديثٍ أو حديثين.

فمن ذلك ما يذكر عن بهرام جور أنه لما ملك بعد أبيه يزدجرد، بلغه أن ناحية من نواحي أطرافه قد أخذت، وغلب عليها العدو. فاستخف بها وأظهر الاستهانة به، حتى قوي أمر ذلك العدو واشتدت شوكته. فكان إذا أخبر بحاله، استخف بأمره، وصغر من شأنه. حتى قيل إنه قد زحف إليك، ووجه جيوشه إلى قرار دارك. فقال: دعوه فليس أمره بشيء.

فلما رأى وزراؤه تهاونه وتراخيه عن أمر عدوه، واستهانته به، اجتمعوا إليه، فقالوا: إن تراخي الملك عن عدوه ليس من سياسة الملك، ولا تدبير المملكة، وقد قرب هذا العدو من قرار دار الملك، وأمره كل يوم في علو.

فقال بهرام: دعوه، فأنا أعلم بضعفه وصغر شأنه منكم.

وأقبل على اللهو واللعب، وترك

<<  <   >  >>