للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى كان العامل منهم ليتهم أقرب الخلق إليه، وأخصهم به. فساس الرعية سياسة أردشير بن بابك في الفحص عن أسرارها خاصةً.

ثم اقتفى معاوية فعله، وطلب أثره، فانتظم له أمره، وطالت له مدته.

وكذا كان زياد ابن أبيه يحتذي فعل معاوية، كاحتذاء معاوية فعل عمر.

وفيما يحكى عنه أن رجلاً كلمه في حاجةٍ له، فتعرف إليه، وهو يظن أنه، لا يعرفه، فقال: أصلح الله الأمير! أنا فلان بن فلان.

فتبسم زياد وقال: تتعرف إلي، وأنا أعرف منك بأبيك؟ والله إني لأعرفك وأعرف أباك وجدك وأمك وجدتك، وأعرف هذا البرد الذي عليك، وهو لفلان بن فلان.

فبهت الرجل وأرعب حتى أرعد، وكاد يغشى عليه.

وعلى هذا كان عبد الملك بن مروان، والحجاج بن يوسف.

ثم لم يكن بعد هؤلاء أحد في مثل هذه السياسة حتى ملك المنصور. فكان أكثر الأمور عنده معرفة أحوال الناس، حتى عرف الولي من العدو، والمداجي من المسالم. فساس الرعية ولبسها، وهو من معرفتها على مثل وضح النهار.

<<  <   >  >>