للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قائل: فما الحجة في الذي يغلط فيكثر غلطه؟ قلت: مثل الحجة على الرجل الذي يشهد على من أدركه، ثم يدرك عليه في شهادته أنه ليس، كما شهد به، ثم يثبت على تلك الشهادة فلا يرجع عنها.... وليس هكذا الرجل الذي يغلط في الشيء، فيقال له فيه فيرجع، ولا يكون معروفًا بكثرة الغلط"١.

٢٨٣- وقد نبه الأئمة إلى أن ضبط الراوي وإتقانه للحديث شرط أساسي من شروط قبول روايته، يقول الإمام مالك: إنه أدرك سبعين ممن يقول: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهم أمناء، حتى لو ائتمن أحدهم على بيت مال لكان أمينًا؛ ولكنه لم يأخذ العلم منهم؛ لأنهم ليسوا من أهل هذا الشأن، يقول: "وهذا الشأن -يعني الحديث والفتيا- يحتاج إلى رجل معه تقى وورع، وصيانة وإتقان وعلم وفهم، فيعلم ما يخرج من رأسه وما يصل إليه غدًا، فأما رجل بلا إتقان ولا معرفة فلا ينتفع به، ولا هو حجة، ولا يؤخذ عنه"٢، ويقول عبد الرحمن بن مهدي: "يحرم على الرجل أن يروي حديثًا في أمر الدين، حتى يتقنه ويحفظه، كالآية من القرآن وكاسم الرجال٣. وقال علي بن المديني: لم يرو يحيى بن سعيد عن شريك، ولا عن أبي بكر بن عياش، ولا عن الربيع بن صبيح، ولا عن المبارك ابن فضالة.

قال الترمذي: وإن كان يحيى ترك الرواية عن هؤلاء، فلم يترك الرواية عنهم لأنه اتهمهم بالكذب، ولكنه تركهم لحال حفظهم٤.

٢٨٤- ويستعين الراوي على حفظ مروياته بأمور منها:

١- تلقي الحديث على نحو صحيح، وأخذه أخذًا جيدًا سواء أكان هذا الأخذ سماعًا أو غيره، وقد وضعوا مقاييس من أجل هذا، سنعرض لها في الفصل القادم -إن شاء الله تعالى- عندما نتعرف على مناهج تحمل الحديث، وما ينبغي الأخذ به، ومجمل ذلك أن تكون هناك صلة على نحو معين بين


١ الكفاية ص٢٢٨، ٢٢٩ط مصر.
٢ ترتيب المدارك ١/ ١٢٣.
٣ الكفاية "الطبعة المصرية" ص ٢٥٨.
٤ صحيح الترمذي بشرح أبي بكر بن العربي. مطبعة الصاوي بالقاهرة ١٣٥٣هـ - ١٩٣٤م ٣/ ٣١٥.

<<  <   >  >>