٦٤- مما لا شك فيه أن الكتابة من أهم عوامل التوثيق إن لم تكن أهمها جميعها. وإذا كان واضحًا جليًّا أن السنة النبوية قد حفظها الله عز وجل بالكتابة ابتداء من القرن الثاني الهجري فما تلاه من القرون، فإنه قد أثيرت شبه واعتراضات حول كتابة الحديث في عهد الصحابة والتابعين، أي في القرن الأول١.
٦٥- وزعم من آثار هذه الشبه والاعتراضات أن الحديث لم ينقل إلا بالرواية الشفهية في هذا العهد، عندما حفظه الصحابة رضوان الله عليهم ونقلوه إلى التابعين ونقله هؤلاء بهذه الطريقة إلى من بعدهم، حتى دونت السنة ابتداء من القرن الثاني الهجري، فأسهم الحفظ في الذاكرة والكتاب معًا في توثيق السنة وصونها.
٦٦- وأساس هذا الزعم ما روي عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعن بعض صحابته من نهي عن كتابة الحديث. ومن ذلك ما رواه زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:"لا تكتبوا عني شيئًا سوى القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه"، وفي -رواية:"من كذب على متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". وكذلك ما رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال:"استأذنت النبي، صلى الله عليه وسلم أن أكتب الحديث، فأبى أن يأذن لي "وفي رواية: "استأذنا النبي، صلى الله عليه وسلم في الكتاب فأبى أن يأذن لنا". كما روى عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عطاء عن أبي هريرة قال: "خرج علينا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ونحن نكتبالأحاديث فقال: ما هذا الذي تكتبون؟.. قلنا: أحاديث سمعناها منك. قال: أكتابًا
١ أضواء على السنة المحمدية: محمود أبو رية - الطبعة الثانية ١٣٨٣هـ - ١٩٦٤م - لبنان ص ٢٠٩ - ٢٢٠- الأضواء القرآنية: السيد صالح أبو بكر - ١٩٧٤م، مطابع محرم الصناعية، ص١٥، ١٦.