١٣١- في القرن الثاني الهجري سار توثيق السنة في طريقين يكمل أحدهما الآخر حفاظًا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أحدهما: وضع المقاييس والأسس التي تكفل للسنة أن تنقل نقلًا صحيحًا دون تبديل أو تغيير، والتي تصونها من وضع الوضاعين، وتحريف بعض الرواة، وقد بدأ السير في هذا الطريق في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، كما سبق أن رأينا، واستكملت أسسه في القرن الثاني، كما سنرى إن شاء الله تعالى.
ثانيهما: إثبات حجية السنة، كمصدر أساسي من مصادر التشريع الإسلامي، وإزالة العوائق التي وضعها الحاقدون على السنة دون تنفيذ ذلك؛ وقد بدأ هذا عندما ادعت طوائف أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم تنقل نقلًا صحيحًا، ولا يمكن لها ذلك، على الرغم من الجهود التي يبذلها القائمون في هذا المجال، وهي بالتالي غير موثقة، وغير صحيحة، وغير جديرة بالقبول، ولا تكون حجة.
١٣٢- وقد بدأ السير في هذا الطريق في القرن الثاني الهجري، وحمل لواءه الإمام الشافعي، رضي الله عنه.
١٣٣- وسنبدأ بالطريق الثاني؛ لأنه كالأساس للطريق الأول، فالذين وضعوا أسس توثيق السنة كان يدفعهم إلى ذلك أن العمل بها ضروري، وأن حجيتها ثابتة، وأن نقل معظمها عن طريق الآحاد من الرواة لا يجعلنا نشك فيها، أو لا نطمئن على ثبوتها، كمصدر من مصادر التشريع الإسلامي موثوق به، كما فعل بعض الناس فهذا هو الأساس الذي تتلوه عملية التوثيق الأخرى، التي بدأت منذ عصر الصحابة، كما رأينا.
وبدأت أولًا لأن القائلين برفض السنة واستحالة نقلها نقلًا صحيحًا عن طريق الرواة لم يظهر أثرهم وخطرهم على السنة إلا في القرن الثاني الهجري، ولهذا انتضى لهم الإمام الشافعي.