للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[القسم الثاني: توثيق متون السنة]

[مدخل]

...

تقدمة:

٥٨٨- في القسم الأول تعرفنا على جهود علماء القرن الثاني الهجري من محدثين وفقهاء في توثيق السنة من خلال توثيقهم لراوي الحديث وسنده، وهي طريقة استولت على معظم جهودهم وجهود من بعدهم؛ لأنه -حقًّا- إذا نقل السنة رواة ثقات، وأسلمها بعضهم إلى بعض بطريقة سليمة، فإنه -مما لا شك فيه- ستنتقل كما صدرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تبديل أو تغيير أو دخيل.

٥٨٩- وعلى الرغم من أن هذه الجهود كانت كافية في توثيق السنة، مما جعل كثيرًا من المحدثين يكتفون بها -فقد كانت هناك كثير من المشكلات والصعوبات التي رأى بعض الفقهاء أمامها البحث في متن الحديث وتوثيقه بعيدًا عن الرواة والأسانيد، أو بعبارة أخرى أدق: دون الاهتمام الكثير بنقلة الحديث، على حين يركزون الضوء، ويعملون الذهن والفكر فيما نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه: هل يتلاءم مع اعتبارات معينة -من وجهة نظرهم- فيكون وثيق الصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم، أم يتناقض مع هذه الاعتبارات، فيكون دخيلًا ومزورًا.

٥٩٠- ومما أباح لهم تلك النظرة أن الحكم بصحة الأسانيد وتوثيق الرواة إنما هو حكم من حيث الظاهر، والله سبحانه وتعالى هو -وحده- العليم ببواطن الأمور وحقائقها، ومن ثم فقد يأتي الحديث بإسناد يبدو صحيحًا، ولكنه في واقع الأمر وحقيقته على خلاف ذلك وتدل على هذا اعتبارات أخرى كما أشرنا، فقد يبدو خبر الواحد متناقضًا مع النصوص الثابتة، وقد يكون متناقضًا مع عمل أهل بلد معين، وخاصة إذا كان هذا العمل هو عمل أهل المدينة، وهم أبناء المهاجرين والأنصار الذين توارثوا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل ... وغير ذلك من الاعتبارات التي سنبحثها، ونسير مع من وضعوها مقاييس العمل بخبر الآحاد أو تركه، وبعبارة أخرى توثيقه أو عدم توثيقه.

<<  <   >  >>