للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٥٩١- وجدير بالذكر -كما أشرت- أن معظم المحدثين اكتفوا بتوثيق الأسانيد وسيلة إلى توثق المتن، وهم في هذه الحالة لا يرون تعاوضًا بسبب هذه الاعتبارات يشكل خطرًا على الحديث، ويهدم ما بنوه من توثيق بعض الأسانيد وتوثيق متونها، تبعًا لذلك.. ووجهة نظرهم أننا ما دمنا قد وثقنا من الحديث عن طريق الثقة بنقلته -فإن أية محاولة أخرى إنما هي هروب من العمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحكيم الآراء التي قد تخطئ وقد تصيب، وأن أي تعارض إنما هو من وجهة نظرنا، ولا يزيله إلا أن نؤمن بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بالإسلام ومبادئه منا، وقد عبر الإمام الشافعي عن هذا الاتجاه وأكده في أكثر من موضع، وفي كل مناسبة أوضح تعبير، يقول: "فلم يكن له -يعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه- ولا لأحد إدخال "لم"؟ و"كيف" ولا شيئًا من الرأي على الخبر عن روسل الله صلى الله عليه وسلم، ولا رده على من يعرفه بالصدق في نفسه، وإن كان واحدًا١ ".. فلا اعتبار فوق اعتبار أن الحديث قد نقل نقلًا صحيحًا، برواة عدول ضابطين، وقد ضرب المثل على أن الحديث قد يبدو معارضًا لكتاب الله عز وجل، ومع هذا نقبله، وليس لنا حجة في ذلك إلا أن الذي نقله ممن يثبت أهل الحديث حديثه، يقول: "قد روينا ورويت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر امرأة أن تحج عن أبيها، ورجلًا أن يحج عن أبيه، فقلنا نحن وأنت به، وقلنا نحن وأنت معًا لا يصوم أحد عن أحد، أفرأيت إن احتج له أحد ممن خالفنا فيه، فقال: الحج عمل على البدن كالصلاة والصوم، فلا يجوز أن يعمله المرء عن نفسه، وتأول قول الله عز وجل: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} ٢ وتأول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} ٣ وقال: السعي العمل، والمحجوج عنه غير عامل، فهل الحجة عليه إلا أن الذي روى هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ممن يثبت أهل الحديث حديثه، وأن الله فرض طاعة رسوله، وأن ليس لأحد خلافه،


١ اختلاف الحديث ص٢١ وانظر شبيهًا بهذا في ص ٣٣٩ منه.
٢ سورة النجم: ٣٩.
٣ سورة الزلزلة: ٧، ٨.

<<  <   >  >>