للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الرابع: عرض الحديث على عمل أهل المدينة]

٧٩٩- ما لا شك فيه أن للمدينة مكانتها العلمية الكبيرة التي لا يسمو إليها غيرها من بلدان العالم الإسلامي في القرنين الأول والثاني الهجريين؛ لأنها -كما يقول الإمام مالك في رسالته إلى الليث بن سعد "١٧٥هـ"- موطن هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبها أسس الدولة الإسلامية، "وبها نزل القرآن، وأحل الحلال وحرم الحرام ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر أهلها يحضرون الوحي والتنزيل، ويأمرهم فيطيعونه ويسن لهم فيتبعونه، وبعد وفاته، صلى الله عليه وسلم قام من بعده الصحابة، رضوان الله عليهم وهم أتبع الناس له من أمته، فما نزل بهم أنفذوه، وما لم يكن عندهم فيه علم سألوا عنه، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك، ثم أخذوا بأقوى ما وجدوا في ذلك، ثم كان التابعون فيها من بعدهم يسلكون تلك السبيل ويتبعون تلك السنن"١.

٨٠٠- ومن أجل هذه المكانة كان ينظر إليها كثير من الفقهاء نظرة إكبار، ويعتبرون أن أقوال أهلها وعملهم خير من عمل غيرهم. ولكن، إلى أي مدى كان هذا الإكبار وذلك الاعتبار؟.

٨٠١- إن الإمام مالكًا وبعض العلماء يرون أن الأمر إذا كان ظاهرًا معمولًا به فيها فليس لأحد خلافه؛ للذي في أيديهم من تلك الوراثة التي لا يجوز لأحد انتحالها ولا ادعاؤها، فهم الذين على ثقة مما يأخذون وما يعملون "ولو ذهب أهل الأمصار يقولون: هذا العمل ببلدنا، وهذا الذي مضى عليه من مضى منا- لم يكونوا من ذلك على ثقة ولم يكن لهم من ذلك الذي جاز لهم"٢ ومن ناحية أخرى فهم كانوا أطلب الناس لما ذهب علمه عنهم، "منها يسألون عنها على المنبر وعلى المواسم وفي المساجد وفي عوام الناس، ويبتدءون فيخبرون بما لم يسألوا عنه، فيقبلون ممن أخبرهم ما أخبرهم إذا ثبت لهم -فإذا حكم أحدهم الحكم فهو موافق لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغير مخالف له، فيقدم حديث غيرهم إذا خالفهم"٣.


١ ترتيب المدارك ١/ ٦٤.
٢ ترتيب المدارك ١/ ٦٥.
٣ الأم ٧/ ٢٤٢.

<<  <   >  >>