للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٧٩٥- "والعجب أن كلتا الطائفتين قد قبلت أخبارًا خالفها غيرهم تعم بها البلوى، كقبول الحنفيين الوضوء من الضحك وجهله غيرهم، وكقبول المالكيين اليمين مع الشاهد وجهله غيرهم، ومثل هذا كثير جدًّا"١.

واستطرد ابن حزم في ذكر الأمثلة التي تدل على أن بعض الصحابة والكبار منهم يتركون الحديث مع شهرته للجهل به ونكتفي بما أوردناه٢.

٧٩٦- على أنه إنصافًا للأحناف نقول: إن هذا الحشد من الأمثلة التي ذكرناها لا ينطبق عليها من وجهة نظرنا ما يهدف إليه وهو كونها مما تعم به البلوى ولا يشتهر، وذلك مثل الاقتراب على الوباء، وكفن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونفور النساء قبل ورود البيت، وتوريث المرأة من الدية وغير ذلك.

٧٩٧- فإذا كان من الممكن التسليم بجهل بعض الصحابة بعض الأخبار التي تعم بها البلوى -فإنه ليس من الكثرة كما ذكر ابن حزم، فبعضها لا يعم به البلوى ولا يحدث كثيرًا ويتجدد بحيث يشتهر ويعلمه جميع الصحابة.

٧٩٨- على أن الذي يعنينا أننا أصبحنا على يقين من أن علماءنا الأجلاء وعلى رأسهم أبو حنيفة وصاحباه والإمام الشافعي -قد وثقوا متن الحديث أو نقدوه بعرضه على عمل الصحابة وآرائهم ومدى شهرته بينهم، وإن تفاوتوا في درجات الأخذ بذلك، ولم يقفوا جامدين أمام موضوعات الأحاديث وما تحمل من أدلة للاستنباط مكتفين بالثقة في أسانيدها ورجالها كما رماهم بذلك الجاهلون.

وننتقل إلى مقياس آخر عمل به بعض العلماء، وهو شبيه بمقاييس هذا الفصل لأنه يتعلق بالعمل أو الفتوى وإن كانا هنا في الفصل المقبل يختصان ببلد معين وهو المدينة.


١ الإحكام ٢- ١٤٣ - ١٤٤.
٢ انظر الإحكام ٢/ ١٤٤ - ١٤٨.

<<  <   >  >>