للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثاني: عرض أحاديث الآحاد على السنة المشهورة]

٦٧٢- وكما عرض الأحناف أخبار الآحاد على الكتاب، فقبلوا منها ما وافقه وردوا ما خالفه، عرضوها أيضًا على السنة المشهورة، وعدوا أخبار الآحاد هذه من الأخبار المنقطعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انقطاعًا باطنيًّا، ذلك لأن الأخبار المشهورة أفادت اليقين القلبي، أما أخبار الآحاد فتفيد العلم الظني، فالأولى أوثق صلة برسول الله صلى الله عليه وسلم من الثانية، فإذا تعارضتا دلت المشهورة على أن غيرها لم يصدر عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد.

٦٧٣- وطبقوا هذا المقياس على بعض الآحاديث منها:

١- حديث الشاهد واليمين الذي وقفنا معه وقفة طويلة آنفًا، ردوه هنا؛ لأنه مخالف للسنة المشهورة، وهي ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه". وفي رواية: "على من أنكر" ٢.

٦٧٤- وبيان هذه المخالفة من وجهين:

١- أحدهما: أن الشرع جعل الأيمان كلها في جانب المنكر دون المدعي؛ لأن اللام تقتضي استغراق الجنس، فمن جعل يمين المدعي حجة فقط خالف النص، ولم يعمل بمقتضاه وهو الاستغراق.

٢- وثانيهما: أن الشرع جعل الخصوم قسمين: قسمًا مدعيًا.. وقسمًا منكرًا.. كما جعل الحجة قسمين أيضًا: قسمًا بينة وقسمًا يمينًا وحصر جنس اليمين في جانب، والبينة في جانب آخر، والعمل بخبر الشاهد واليمين يوجب ترك العمل بموجب هذا الخبر المشهور، فيكون مردودًا٢.

٦٧٥- ومما يقوي الشك في حديث اليمين مع الشاهد -في نظر الأحناف


١ صحيح البخاري ٦/ ٤٣ "طبعة الشعب" بلفظ "اليمين على المدعى عليه" وكذلك مسلم في الأقضية وقد أخرج هذا الحديث البيهقي والدارقطني.
٢ كشف الأسرار ٣/ ٧٣٣.

<<  <   >  >>