للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣٧٥- ومهما يكن من أمر فهؤلاء الكارهون لها قليلون إلى جانب الجمهرة الغفيرة من المحدثين والفقهاء الذين يجيزونها، ويعتبرونها طريقًا صحيحًا من طرق التلقي، على أنه يمكن القول بأن هؤلاء لا يمنعونها مطلقًا، وإنما ألزموا أنفسهم بتركها مؤثرين السماع عليها بدليل أن أبا عاصم النبيل رويت عنه رواية أخرى تقول بأنه يسوي بين العرض والسماع١. وعلى هذا يمكن أن نفهم عبارة القاضي عياض: إنه لا خلاف في أنها رواية صحيحة.

٣٧٦- وحجة جواز هذا الضرب من ضروب التلقي ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أتاه ضمام بن ثعلبة، وقد أوفده قومه سنة تسع إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وسأله عن الإسلام قائلًا: "الله أمرك بكذا وكذا، فيقول صلى الله عليه وسلم: "نعم" "فأسلم بعد هذا العرض، وعاد إلى قومه، فأخبرهم بذلك وحده٢.

وذهب إلى ذلك من السلف عدد من الصحابة والتابعين، منهم ابن عباس، وأبو هريرة، وأنس بن مالك.. وعروة بن الزبير والحسن البصري، وغيره من التابعين٣.

٣٧٧- وإذا ذهبنا إلى جمهرة المحدثين والفقهاء الذين أجازوا هذا الضرب، فإننا نجدهم قد اختلفوا في قيمته بالنسبة إلى السماع هل العرض مثل السماع، أو دونه، أو أرجح منه؟

وقد تقدم في الكلام على السماع أن كثيرًا من العلماء يفضل السماع على القراءة؛ لأن هذا هو ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في تعليم صحابته، رضوان الله عليهم؛ ولأن السماع في بعض صوره أدعى إلى عدم الغفلة من الشيخ ومن التلميذ٤.

٣٧٨- ويقول القاضي عياض: إن مذهب معظم علماء الحجاز والكوفة التسوية بينهما، وإن هذا هو مذهب مالك وأصحابه وأشياخه من أهل المدينة


١ فتح المغيث ٢/ ٣٠.
٢ الإلماع ص ٧١ - ٧٢.
٣ معرفة السنن والآثار ١/ ٨٥.
٤ ص ١٩٣ من هذا البحث.

<<  <   >  >>