وما أشبه الليلة بالبارحة كما يقولون! فقد نبتت نابتة في عصرنا الحديث، تشكك المسملين في السنة، وتسير على درب أسلافهم الذين كادوا للمسلمين وللإسلام، وردهم الله على أعقابهم خاسرين، زعمت هذه النابتة أن السنة حرفت وبدلت ... وأن أسس توثيقها كانت واهية وشكلية، ولم تنهض بعبء الحفاظ عليها.
هل حقًّا ما يزعم هؤلاء؟.. إن الأمر في حاجة إلى دراسة متأنية موضوعية، تكشف وجه الحق، وتبرز ما أخفاه هؤلاء الجاهلون، أو غاب عنهم.
وهذا ما دفعني إلى اختيار موضوع هذه الرسالة، "توثيق السنة في القرن الثاني الهجري، أسسه واتجاهاته".
ومهدت لهذا الموضوع بتمهيد وقف عند بعض الموضوعات التي تحدد أبعاده، وتكون الأساس لما يعالجه من قضايا.
وإذا كان الحديث الذي هو بمعنى السنة -كما اصطلحنا في هذه الرسالة- ينقسم إلى قسمين: السند والمتن، وكانت عناية أهل القرن الثاني هي توثيق القسمين معًا؛ بهدف التأكد مما نقل عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نقلًا صحيحًا -فقد قسمت هذه الرسالة إلى قسمين:
القسم الأول: ويعنى ببيان الأسس التي وضعت لتوثيق سند الحديث، مما يؤدي إلى توثيق متنه، وهو ما سماه بعض الباحثين بالنقد الخارجي للحديث.
والقسم الثاني: ويعنى ببيان الأسس التي تتعلق بتوثيق متن الحديث بعيدًا عن سنده، وبالنظر إلى ألفاظه ومعانيه، وهو ما سُمي حديثًا كذلك بالنقد الداخلي للحديث.
والقسم الأول: يتكون من أربعة فصول:
يتناول الفصل الأول منه بيان كيفية نقل الحديث إلى أهل القرن الثاني الهجري؛ من حيث عدد رواته، وتواتر نقلته، أو عدم تواترهم.