للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لها: "أين ربك"؟.. فأشارت إلى السماء. فقال لها: "من أنا"؟ قالت: أنت رسول الله. فقال للرجل: "أعتقها فقد عرف الرسول إسلامها بإشارتها، واكتفى بذلك عن القول. وكذلك هنا يكتفي بالكتابة عن القول.

٤١٧- ثم أورد مثالًا يدلنا على أن هناك اتجاهين: أحدهما يعتبر المكاتبة مثل السماع، والآخر أقل منه: فقد روي أن إسحاق بن راهوية ناظر الشافعي -وأحمد بن حنبل حاضر- في جلود الميتة إذا دبغت، قال الشافعي: دباغها طهورها، فقال إسحاق: ما الدليل؟.. فقال: حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس عن ميمونة: أن النبي صلى الله عليه وسلم، مر بشاة ميتة، فقال: "هلا انتفعتم بجلدها" ١؟!.

فقال إسحاق: حديث ابن عكيم: كتب إلينا النبي، صلى الله عليه وسلم- قبل موته بشهر: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب" أشبه أن يكون ناسخًا لحديث ميمونة؛ لأنه قبل موته بشهر".

فقال الشافعي: هذا كتاب، وذاك سماع؟ فقال إسحاق: إن النبي، صلى الله عليه وسلم، كتب إلى كسرى وقيصر، وكان حجة عليهم عند الله، فسكت الشافعي٢.

فمن هذا المثال نرى أن الإمام الشافعي، رضي الله عنه رجح حديث ابن عباس عن ميمونة على حديث ابن عكيم؛ لأن الأول سماع، والثاني كتاب، والكتاب والمناولة والوجادة كلها مرجوحات؛ لما فيها من شبه الانقطاع بعدم المشافهة٣.

على حين نرى أن إسحاق بن راهوية، رضي الله عنه، جعل الحديثين في درجة واحدة في هذا الموضوع، فالمكاتبة لا تقل حجية عنده عن السماع.


١ انظر الأحاديث في جلود الميتة وهل تحل أو لا في نصب الراية جـ١ ص ١١٥ - ١٢١.
٢ المحدث الفاصل ص ٤٥٢ - ٤٥٤ من المطبوع، الإلماع ص ٨٦ - ٨٧.
٣ نصب الراية ١/ ١٢١ - ١٢٢.

<<  <   >  >>