للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن مظاهر هذا التشدد أن بعض الصحابة كان يستحلف راوي الحديث غير مبال بمنزلة هذا الراوي في الإسلام، أو منزلته من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد استحلف بعضهم عليًّا، وهو أمير للمؤمنين١.

وكان هذا من مذهب علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، يستحلف من يروي له عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقول الحاكم: "وأما أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، فكان إذا فاته عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حديث، ثم سمعه من غيره يحلف المحدث الذي يحدث به، والحديث في ذلك عنه مستفيض مشهور ... وكذلك جماعة من الصحابة والتابعين"٣.

٤٠- وليس معنى هذا التشدد وذلك التمحيص أنهم كانوا يكذبون ناقل الحديث إليهم، فلم يثبت أن أحدًا من الصحابة، رضوان الله عليهم، رمى أخاه بالكذب على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يخشون أن يخطئوا في نقل الحديث، فلا يؤدونه على وجهه، ويصور هذا عمران ابن حصين حين يقول: "والله إن كنت لأرى أني لو شئت حدثت عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يومين متتابعين، ولكن يبطأني عن ذلك أن رجالًا من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، سمعوا كما سمعت، وشهدوا كما شهدت، ويحدثون أحاديث ما هي كما يقولون، وأخاف أن يشبه لي، كما يشبه لهم"، ويعلق ابن قتيبة على هذا بقوله: "فأعلمك أنهم كانوا يغلطون، لا أنهم كانوا يتعمدون"٣.

٤١- ولقد نفى بعضهم الكذب عنه وعن إخوانه من الصحابة، يقول البراء بن عازب رضي الله عنه: "ولكن الناس لم يكونوا يكذبون يومئذ،


١ انظر صحيح مسلم بشرح النووي ٣/ ١١٨، ١١٩.
٢ معرفة علوم الحديث: ص١٥. المحدث الفاصل ص٥١٨.
٣ تأويل مختلف الحديث في الرد على أعداء أهل الحديث: للإمام عبد الله بن مسلم بن قتيبة "ت ٢٧٦هـ" مطبعة كردستان العلمية بمصر، ١٣٢٦هـ، ص٤٩، ٥٠.

<<  <   >  >>