للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٦٠٤- وكذلك لم يقبلوا حديث الشاهد واليمين الذي يقول: "إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد"؛ لأنه مخالف لكتاب الله عز وجل من وجوه وسنفيض في شرح هذه الوجوه؛ لأننا سنتخذ هذا الحديث كمثال لرد الشافعي هذا المقياس:

أحدهما:

٦٠٥- أنه سبحانه وتعالى قال: {اسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} ١ ... أمر سبحانه وتعالى بالاستشهاد لإحياء الحق، وهو مجمل في حق كل ما هو شهادة.

ثم فسر ذلك بنوعين: برجلين، بقوله تعالى: {مِنْ رِجَالِكُم} ، وبرجل وامرأتين لقوله عز وجل: {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} ، إما على المساواة أو الترتيب.. ومثل هذا إنما يذكر لقصر الحكم عليه، وعلى هذا فالشاهد واليمين زائد على النص، والزيادة على النص كالنسخ عند الحنفية، ولا ينسخ الكتاب بخبر الآحاد٢.

٦٠٦- ويقتضي ذلك اقتصار الاستشهاد المطلوب بالأمر على النوعين؛ لأن المجمل إذا كان ذلك بيانًا لجمع ما يتناوله اللفظ، كقول الرجل: كل طعام كذا أو طعام كذا. أو أذنت لك أن تعامل فلانًا، فإن لم يكن ففلانًا، يكون ذلك بيانًا لجميع ما هو المراد بالإذن والأمر، وكذا لو قال: "تفقه من فلان أو فلان" كان التفسر الملحق به قصرًا بالتفقه عليهما، حتى لا يكون التفقه على غيرهما من موجبات الأمر، وكذا لو قال: استشهد زيدًا على صفقتك أو خالدًا لم يكن استشهاد غيرهما من المأمور، بل يكون زيادة عليه، فكذلك ههنا يصير المذكور في الآية الكريمة بيانًا للكل٣.

٦٠٧- وقد أثار صاحب كشف الأسرار، وهو من الحنيفة، اعتراضًا على هذا الوجه ولم يجب عليه فقال: إن للخصم أن يقول: إنكم ادعيتم القصر


١ سورة البقرة: ٢٨٣.
٢ أصول السرخسي ١/ ٣٦٦.
٣ أصول البزدوي بشرح كشف الأسرار ٣/ ٧٣١، ٧٣٢.

<<  <   >  >>