للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجوب فقال: أخبرنا سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة، قالت: كان الناس عمال أنفسهم، فكانوا يروحون بهيئاتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم١؟ " كما روي من حديث البصريين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل" ٢.

٧٢٨- وهكذا خرج الشافعي بعرض السنة على السنة بذلك الفهم الصحيح لبعض الأحاديث ولم يفعل كالذين أخذوا بظاهر الأحاديث الأولى من وجوب الغسل يوم الجمعة للصلاة٣. وهم بهذا خالفوا السنة الصحيحة وتركوا ما تدل عليه، وهو بهذا وثقها جميعها، وأخذ بها كلها ولم يترك منها شيئًا، لأنها ثابتة، ولا يجوز أن يترك الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

٧٢٩- وندرك من كل هذا أن الأحناف استعملوا مقياس عرض السنة على السنة المشهورة من أجل توثيقها أو عدم توثيقها، وهم في هذا يقدمون عناية أخرى في نقد متن الحديث غير عنايتهم هم وغيرهم في نقد إسناده ورواته، وأن الإمام الشافعي وإن كان قد عارض في هذا المقياس لأنهم تركوا به بعض الأحاديث التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به؛


١ مسلم ٢/ ٤٩٧.
٢ قال النووي: حديث حسن في السنن مشهور "مسلم بشرح النووي ٢/ ٤٩٨" - اختلاف الحديث ص ١٧٧ - ١٨١. وانظر شبيهًا بهذا في باب من أصبح جنبًا في شهر رمضان ص ٢٣٢ وما بعدها.
٣ قال النووي: اختلف العلماء في غسل يوم الجمعة، فحكى وجوبه عن طائفة من السلف حكوه عن بعض الصحابة، وبه قال أهل الظاهر، وحكاه ابن المنذر عن مالك، وحكاه الخطابي عن الحسن البصري ومالك وذهب جمهور العلماء من السلف والخلف وفقهاء الأمصار إلى أنه سنة مستحبة ليس بواجب. قال القاضي: وهو المعروف من مذهب مالك وأصحابه، واحتج من أوجبه بظواهر هذه الأحاديث -يعني الأحاديث التي رواها مسلم- واحتج الجمهور بأحاديث صحيحة منها: حديث الرجل الذي دخل وعمر يخطب وقد ترك الغسل وقد ذكره مسلم، وهذا الرجل هو عثمان بن عفان مبينًا في الرواية الأخرى، ووجه الدلالة أن عثمان فعله وأقره عمر وحاضرو الجمعة، وهم أهل الحل والعقد، ولو كان واجبًا لما تركه ولا لزموه". صحيح مسلم ٢/ ٤٩٨.

<<  <   >  >>