تعم به البلوى، ومع هذا لم يشتهر عند الصحابة ومن بعدهم لا يكون صحيحًا، وكذلك إذا اختلفوا في موضوعه ولم يتحاجوا به.. ولم يوافقهم الإمام الشافعي في هذا لأن الصحابة قد جهل بعضهم السنن فعمل بخلافها، فليس عمل الصحابي بخلاف الحديث دليلًا على عدم صحته، وإنما هو دليل فقط على عدم عمله، وضرب الأمثلة الكثيرة على ذلك.. وهنا رأينا الإمام الشافعي ينهج نهج الأحناف في البحث في متن الحديث وموضوعه.. ويستخدم هذه المقاييس في تأكيد ما ثبت نقلًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. "الفصل الثالث".
٤- وعرض بعض أصحاب مالك أحاديث الآحاد على عمل أهل المدينة، ورأوا أن المدينة -وقد ورثت عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته جديرة أن يكون عملها -في القرن الثاني- حاكمًا على أحاديث الآحاد صحة وردًّا.. وعرفنا موقف الإمام مالك الصحيح من هذه القضية على غير ما فهمه بعض الدارسين، وهو أنه لا يقدم على الحديث الصحيح عملًا في المدينة أو في غيرها من باب أولى -كما طالعنا مناقشة الأئمة: الليث بن سعد، ومحمد بن الحسن الشافعي -من أخذوا بهذا المقياس.. وفي مناقشتهم هذه تتجلى النظرات الدقيقة في معاني الأحاديث وتوثيقها من خلال متونها ومن داخلها -إن صح هذا التعبير.
"الفصل الرابع".
٥- ورأى البعض العلماء في القرن الثاني عرض أخبار الآحاد على القياس، ورأينا أن بعض الأئمة الذين نسب إليهم ذلك مثل مالك وأبي حنيفة وصاحبيه لا يفعلون ذلك في الحقيقة، ولا يتركون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقياس؛ قطعي أو غير قطعي، وكذلك فعل الإمام الشافعي. "الفصل الخامس".
٦- أجاز كثير من العلماء رواية الأحاديث بالمعنى، ولكنهم ضيقوا من دائرة الأحاديث التي يجوز فيها ذلك، ووضعوا شروطًا من شأنها أن تحفظ للحديث معناه، وما يشير إليه من دلالات قريبة أو بعيدة ونطالع في هذا الصدد العناية الكبيرة من المحدثين والفقهاء بمتن الحديث كما طالعناه في كل فصول هذا القسم الأخرى.