من الطبيعي ألا تكون مادة "الفصل والوصل" من ابتكارات الجرجاني، إنما وجد الرجل تراثا مبعثرا فجمع شتاته وضم أوصاله، وأضاف ما أضاف حتى استوى فن "الفصل والوصل" شكلا بارزا له أبعاده وبناء متماسكا له قسماته.
وقد رجع الجرجاني في كتابيه "الدلائل" و"الأسرار" إلى العديد من العلماء ومنهم من تكلم في "الفصل والوصل" من مثل سيبويه والمبرد والجاحظ والعسكري والقاضي أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني والصولي، ومعهم غيرهم١.
وسأعرض هنا للجهد الذي بذله بعض السابقين للجرجاني "ت ٤٧١هـ" من نحويين من مثل سيبويه "ت ١٨٠هـ" والفراء "ت ٢٠٧هـ" والمبرد "ت ٢٨٥هـ" وابن جني "ت ٣٩٢هـ" وبلاغيين ونقاد مثل: الجاحظ "ت ٢٥٥هـ" وابن وهب إسحاق بن إبراهيم "ت ٢٧٢هـ" والصولي "ت ٣٣٦هـ" والعسكري أبي هلال "ت ٣٩٥هـ" وابن سنان الخفاجي "ت ٤٦٦هـ" ومفسرين مثل الطبري "ت ٣١٠هـ" والشريف المرتضى "ت ٤٣٦هـ" ومتكلمين مثل القاضي عبد الجبار "ت ٤١٥هـ".
ولا أقصد إلى تعقب التأثير والتأثر فيما بين هؤلاء أو فيما بين بعض منهم وعبد القاهر الجرجاني، فالذي يهمني رصد ما يمكن رصده من شذرات "الفصل والوصل" التي تبعثرت في مختلف البحوث ثم تحولت بطريق مباشر أو غير مباشر -على يد الجرجاني إلى شكل بارز وبناء متماسك يتميز بظهور روح الجرجاني وفنه وفكره.
١ انظر د. منير سلطان، إعجاز القرآن بين المعتزلة والأشاعرة، ١٢١ ط٣ منشأة المعارف بالإسكندرية.