للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١١٥- حديث "وإنْ وَجَدْناهُ لَبَحْرا" i.

قال الخطابي: " "إنْ " هنا نافية، واللام في "لبحرا" بمعنى إلا، أي ما وجدناه إلا بحرا، والعرب تقول: إنْ زيدٌ لعاقلٌ، أى ما زيدٌ إلا عاقل، والبحر من نعوت الخيل. قال الأصمعي ii: فرسٌ بحر إذا كان واسع الجري"iii.

قلت: هذا الذي أعربه الخطابي مذهب كوفي، وذلك لأنه أخذ عن ثعلب iv، وهو من أئمة الكوفيين. والبصريون يقولون في هذا: إنّ "إنْ" مخففة من الثقيلة، واللام لام الابتداء دخلت للفرق بين "إنْ" المخففة و"إنْ" النافية v

قال أبو حيان: "الكوفيون يرون أنّ "إنْ" هي النافية، واللام بمعنى إلا وهذا باطل، لأن اللام لا تعرف في كلامهم بمعنى إلا"vi.

وقال ابن مالك: "قولهم إن اللام بمعنى "إلا" دعوى لا دليل عليها، ولو كانت بمعنى "إلا" لكان استعمالها بعد غير "إنْ" من حروف النفي أولى، لأنها أنصّ على النفي من "إنْ فكان يقال: لم يقمْ لزيدٌ، ولن يقعدَ لعمروٌ، بمعنى لم يقمْ إلا زيدٌ، ولن يقعد إلا عمرو. وفي عدم استعمال ذلك دليل على أن اللام لم يقصد بها إيجاب، وإنما قصد بها التوكيد كما قصد مع التشديد".

١١٦- حديث "إذا أَقْرَضَ أَحَدُكُم قَرْضاً فأَهْدى إليه أو حَمَلَهُ فلا يَقْبَلْها" vii.

قال الطيبي: "القَرْض" اسم للمصدر، والمصدر في الحقيقة الإقراض، ويجوز أن يكون هاهنا بمعنى المقروض، فيكون مفعولا ثانياً لأقرض، والأوّل مقدّر كقوله تعالى:


i عن أنس قال: "كان فزع بالمدينة، فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرساً من أبي طلحة، يقال له المندوب، فركبه فلما رجع قال: ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرا".
البخاري: كتاب الهبة ٥/ ٢٤٠. كتاب الجهاد ٦/٥٨، ٦٦.
ii عبد الملك بن قريب الأصمعي الباهلي، أحد أئمة العلم باللغة والشعر والبلدان، طاف كثيراً في البوادي وحفظ كثيراً من الشعر، له مصنفات كثيرة منها: الإبل، الأضداد، الخيل. توفي بالبصرة سنة ٢١٦ هـ. انظر: الأعلام ٤/ ١٦٢.
iii انظر: فتح الباري ٥/ ٢٤١.
iv أحمد بن يحي ثعلب إمام الكوفيين في النحو واللغة كان ثقة حجة صالحاً ديِّناً مشهوراً بالحفظ ورواية الشعر. من مصنفاته: المصون، معاني القرآن، المجالس. توفي سنة ١ ٢٩ هـ. انظر: إنباه الرواة١/ ١٧٣ بغية الوعاة ١/ ٣٩٦.
v انظر الخلاف في الإنصاف مسألة ٩٠، مغنى اللبيب ٢٥٦.
vi انظر: ارتشاف الضرب ٢/ ١٥١ بتحقيق د. النماس.
vii الحديث لا مشكاة المصابيح- كتاب البيوع- باب الربا. برقم ٢٨٣١ ورواه ابن ماجة- كتاب الصدقات برقم ٢٤٣٢.