للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما جاء من هذا مع دخول الباء على الحاصل قول حبيب:

بِسَيْبِ ابب العبّاسِ بُدّلَ ازلُنا

بخفْضٍ، وصِرْنا بَعْدَ جَزْرٍ إلى مَدِّ i

فأدخل الباء على الحاصل حين رفع المتروك. ومنه قول أبي الطيّب ii:

أبْلَى الأجِلَّةَ مُهْري عند غيرِكُمُ

وبُدِّلَ العُذْرُ بالفُسطاطِ والرَّسَنُ iii

يقول: طال مقامي عند غيركم لأنه أكرمني، ولم يسأم مثواي عنده، حتى بلي جُلُّ مهري بطول مكثه على ظهره، وتعوّض منزل الفسطاط من عذاره ورسنه.

وقوله أيضا من قصيدة يمدح بها كافورا iv، وكان أسود:

مَنْ لبيضِ المُلوكِ أنْ تُبْدل اللو

نَ بِلَوْنِ الأستاذ والَسَحْناءِ v

يقولَ: من للبيض من الملوك أن يُبدلوا ألوانهم بلون هذا الممدوح وسحنائه.

ومنه قول المعرّي:

يقولُ إنَّ زماناً يَسْتقيدُ لهم

حتى يُبَدَّل من بُؤْسٍ بنعماءِ vi

أي حتى يعوَّض من هذه بهذه. وقد يدخل هذا البيت في الوجه الثالث بعد هذا بتقدير حتى يبدلهم vii


i البيت لأبي تمام في ديوانه بشرح الخطيب التبريزي ٢/ ٠٦٤ السيب: العطاء. الأزل: الضيق.
ii أحمد بن الحسين، أبو الطيب المتنبي، الشاعر العربي المشهور، ولد بالكوفة ونشأ بالشام واتصل بسيف الدولة فمدحه وحظي عنده، ثم ذهب إلى مصر ومدح كافورا الإخشيدي، ثم رجع إلى العراق وزار بلاد فارس وقُتل وهو عائد سنة ٣٥٤ هـ. له ديوان مطبوع اعتنى بشرحه كثير من العلماء.
iii الأجلة: جمع جُلّ وهو ما يتجلّل به الفرس. يقول لقد طال بمصر مقامي لإكرام مثواي حتى بليت أجلة فرسي وعذره ورسنه فبُدّل بغيرها. والبيت من قصيدة مشهورة في ديوانه ٤/٢٣٨ بشرح العكبري. هذا، وأنا أرى أن ابن لب لم يوفق في توجيه هذا البيت لمراده، لأن الباء في الفسطاط بمعنى "في" وليست باء البدل كما زعم، إذ كيف يعوض الفسطاط بدل العذار والرسن! هذا فضلاً عن أنه خالف الجمهور في الاحتجاج بأشعار المتأخريِن عن عصور الاحتجاج.
iv كافور الإخشيدي: والي مصر كان عبداً حبشيا اشتراه الإخشيدي ملك مصر سنة ٣١٢ هـ فنسب إليه وأعتقه ثم صار ملك مصر وكان ذكياً حسن السياسة. توفي سنة ٣٥٧ هـ.
v البيت للمتنبي في ديوانه ١/ ٣٥ والسحناء: الهيئة.
vi أحمد عبد الله بن سليمان، التنحي المعرّي، شاعر فيلسوف، كان عالما باللغة. مصنفاته الشعرية: اللزوميات، سقط الزند. ومن مصنفاته الأدبية: شرح ديوان المتنبي شرح ديوان البحتري، رسالة الغفران. توفي سنة ٤٤٩ هـ.
vii اللزوميات لأبي العلاء المعرّي ١/٥٧.