للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن هذا الوجه البيت الواقع في السِّير، وقصيدة عديّ بن زيد العبّادي i وهو قوله:

وبُدِّلَ الفَيْجُ بالزُّرافةِ والـ

أيامُ جُوْنٌ جَمٌّ عَجائِبُها ii

وذلك أن الفيج في البيت هو المنفرد في مشيه، والزّرافة الجماعة، يعني بها الكتائب التي ذكر في القصيدة قبل هذا في قوله:

ساقتْ إليها الأسبابُ جُنْدَ بني الـ

أحرار فُرسانُها مواكبُها

حتى رآها الأقوالُ من طَرَفِ الـ

مَنْقَلِ مُخْضرَّةً كتائِبُها iii

ويريد بالفيج سيف بن ذي يزن الحميرى iv، لأنه خرج بنفسه حتى قدم على قيصر فشكا إليه حال أهل اليمن، فلم يشكه، فأتى النعمان فذهب معه فأدخله على كسرى فشكا إليه، فأصحبه جيشا، كما ذكر صاحب السيَّر. فبدَّل الواحد بالجماعة.

وإنْ أراد بالفيج معنى الرسول، كما قال بعض اللغويين، فإن سيفاً كان رسول أهل اليمن.

ثم قد يأتي محل الباء مجرداً منصوباً وهو كثير، كقوله تعالى: {يَوْمَ تُبدَّلُ الأرْضُ غَير الأرْض} v وكقوله: {بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كُفْرا} vi وقوله: {فأولئك يُبدِّلُ الله سَيّئاتِهم حَسنَات} vii.

قال الغزنوي viii في الآية الأولى: "غير" مفعول ثانٍ، أو يقدر بغير الأرض.


i عديّ بن زيد العبادي التميمي، شاعر من دهاة الجاهلية من أهل الحيرة، يحسن العربية والفارسية والرمي، اتخذه كسرى ترجماناً بينه وبين العرب، سجنه النعمان بن المنذر وقتله في سجنه بالحيرة، نحو سنة ٣٥ قبل الهجرة. انظر الأعلام ٤/ ٢٢٠.
ii الأبيات لعدي بن زيد في ديوانه ص ٤٧. وفي السيرة النبوية لابن هشام ١/٦٢ خبر خروج سيف بن ذي يزن. وتروَى الأبيات ببعض اختلاف، ففي النسخ "والأيام صوب" وفي السيرة النبوية "جُوْن" أي سود.
iii الأقوال: الملوك. والمنقل: الطريق المختصر. وقوله من طرق المنقل أي من أعالي حصونها. ومخضرَّة كتائبها: يعني من الحديد. وفي النسخ المخطوطة "ساقت أليها الأحرار".
iv الملك سيف بن ذي يزن من ملوك العرب اليمانيين ودهاتهم، وكان الحبشة قد ملكوا اليمن وقتلوا أكثر ملوكها فنهض سيف وقصد قيصر ملك الروم، وشكا إليه ما أصاب اليمن فلم يلتفت إليه، فقصد النعمان بن المنذر عامل كسرى على الحيرة والعراق فأوصله إلى كسرى، فبعث معه جيشاً إلى اليمن، فقتلوا ملك الحبشة ودخلوا صنعاء، وبقي سيف بن ذي يزن ملكاً نحو خمس وعشرين سنة، ثم قتل بصنعاء نحو سنة ٥٠ قبل الهجرة.
v سورة إبراهيم: آية ٤٨.
vi سورة! إبراهيم: آية ٢٨.
vii سورة الفرقان: آية ٧٠.
viii لعلّه: عالي بن إبراهيم بن إسماعيل الغزنوي، تاج الشريعة، فقيه حنفي مفسر، أقام في حلب، من كتبه "تفسير التفسير" في مجلدين، قيل أبدع فيه. توفي سنة ٣٨٢ هـ انظر. الأعلام ٣/٢٤٩.