للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إذا كان ضد الشرط المذكور أولى بذلك المقدّم، الذي هو كالعوض عن الجزاء من ذلك الشرط، كقولك: أكرمه وإنْ شتمني. فالشتم بعيد من إكرامك الشاتم، وضدّه وهو المدح أولى بالإكرام. وكذلكَ قوله "اطلبوا العلم ولو بالصين". والظاهر أن الواو الداخلة على كلمة الشرط في مثله اعتراضية. ونعني بالجملة الاعتراضية ما يتوسط بين أجزاء الكلام متعلقاً به معنى مستأنفاً لفظاً على طريق الالتفات، كقوله:

فأنت طلاقٌ - والطلاقُ أَليَّة-i

وقوله:

يرى كُلَّ مَنْ فيها- وحاشاكَ- فانيا ii

وقد يجيء بعد تمام الكلام، كقوله عليه السلام "أنا سيّد ولد آدم ولا فخر"iii فتقول في الأوّل: زيدٌ وإن كان غنياً بخيل، وفي الثاني: زيدٌ بخيل وإن كان غنياً. فجواب الشرط في مثله مدلول الكلام، أي إذا كان غنياً فهو بخيل، فكيف إذا افتقر، والجملة كالعوض من الجواب المقدّر، كما تقرر، ولو أظهرته لم تذكر الجملة المذكورة ولا الواو الاعتراضية، لأن جواب الشرط ليس جملة اعتراضية. وقال الجنزي iv: هو واو العطف، والمعطوف عليه محذوف، وهو ضدّ الشرط المذكور، الذي قلنا إنه [هو] الأولى بالجزاء المذكور. فالتقدير عنده: زيدٌ إن لم يكن غنياً وإن كان غنياً فبخيل. وقد تقرر أنه يجوز حذف المعطوف عليه مع القرينة، لكن يلزمه أن يأتي بالفاء في الاختيار، فتقول: زيدٌ وإن كان غنياً فبخيل، لأن الشرط لا يلغى بين المبتدأ والخبر اختيارا. وأما على ما اخترنا من أن الواو اعتراضية فيجوز، لأن الاعتراضية تفصل بين أي جزأين من الكلام كانا بلا تفصيل إذا لم يكن أحدهما حرفا. وعن الزمخشري أن الواو في مثله للحال، فيكون الذي هو كالعوض عن الجزاء عاملا في الشرط نصبا على أنه حال، كما عمل جواب "متى" عند بعضهم في "متى" النصب على أنه


i من الطويل، وعجزه: ثلاثا ومن يَخْرَقْ أعَقُّ وأظلَمُ.
وهذا البيت ثاني ثلاثة أبيات قيل كتب بها الرشيد إلى القاضي أبي يوسف يسأله عن حكم الطلاق فيها. انظر المسألة في خزانة الأدب ٣/ ٤٥٩ وما بعدها، مغني اللبيب ص ٥٤، تذكرة النحاة لأبي حيان ص ١٤٨.
ii عجز بيت للمتنبي في مدح كافور، وصدره: وتحتقرُ الدنيا احتقار مُجرب.
انظر: العرف الطيب شرح حيوان أبي الطيب- ٤٧٥.
iii مسند أحمد ١/٢٨١، ٣/٢، ١٤٤.
iv في بعض النسخ " الجزي" وفي شرح الكافية الجنزي، وهو عمر بن عثمان بن الحسين بن شعيب الجنزي، أبوحفص، إمام في النحو والأدب، قدم بغداد وصحب الأئمة، وكان حسن السيرة، صنف تفسيراً لم يتم. مات سنة ٥٥٠ هـ. انظر: بغية الوعاة ٢/٢٢١.