حدثنا أبو الزبير عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فليلبس خفين، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَاراً فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ)) معروف أن المحرم ممنوع من لبس السراويل والقمص، العمائم، البرانس، الخفاف، إذا لم يجد الإزار لبس السراويل، وهل يلزمه أن يجعل السراويل بمثابة الإزار، بمعنى أنه يقطع ما بينهما من أكمام، قياساً على قطع الخفين، أو أنه يلبسها كما هي؟ ولذا لم يشر النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى القطع بالنسبة للسراويل كما أشار إليه بالنسبة للخفين، مسألة قطع الخفين حديث ابن عمر مقيّد، وحديث ابن عباس وجابر مطلق، والقاعدة عند أهل العلم أنه في مثل هذه الصورة للاتحاد في الحكم والسبب أنه يحمل المطلق على المقيد، وكونه لم ينص على القطع في حديث ابن عباس، لا يعني إلغاء القيد الوارد في حديث ابن عمر لما عرف من قاعدة حمل المطلق على المقيد، وإنهما إذا اتحدا في الحكم والسبب فإنه يلزم حمل المطلق على المقيد، الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يقول: لا يلزم القطع، وكأنه -رحمه الله- يستروح إلى النسخ، وأن حديث ابن عباس وجابر متأخران عن حديث ابن عمر، وقد سمعهما من لم يسمع حديث ابن عمر، الحاجة داعية إلى البيان في خطبة عرفة، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، فلو كان قطع الخف لازماً حتماً لبيّنه عند هذه الجموع الذين جلّهم لم يسمع حديث ابن عمر، الإمام أحمد -رحمه الله- كأنه استروح بالقول بالنسخ، نسخ القطع، وأيّد ذلك بما عرف من النهي عن إضاعة المال، ومعلوم أن القاعدة في حمل المطلق على المقيد تقتضي حمل ما جاء مطلقاً من حديث ابن عباس وجابر على ما جاء في حديث ابن عمر؛ لأن صور الإطلاق والتقييد أو المطلق مع المقيد أربع، إما أن يتحدا في الحكم والسبب، كما هنا فيحمل المطلق على المقيد، ولا يعرف مخالف في هذا، أو يختلفا في الحكم والسبب، وحينئذٍ لا يحمل المطلق على المقيد، كاليد في آية السرقة المطلقة مع اليد في آية الوضوء المقيّدة، اختلف الحكم والسبب، حينئذٍ لا يحمل المطلق على المقيّد، وبعضهم ينقل الاتفاق على هذا، والخلاف في الصورتين الأخريين، فيما إذا اتحدا في