ثم أهللت بالحج: قال: فكنت أفتي به الناس: يفتي الناس بهذا أن من لم يسق الهدي يجعلها عمرة؛ ومعه الدليل من أمره -عليه الصلاة والسلام- والمسألة قد وقعت له، ومن وقعت له القضية يتقنها ويضبطها أكثر من غيره، فصار يفتي الناس بهذا.
حتى كان في خلافة عمر -رضي الله عنه- فقال له رجل: يا أبا موسى: بالكنية، أو يا عبد الله بن قيس: بالاسم، رويدك: يعني تمهل لا تسترسل في فتياك، تمهل انتظر.
رويدك بعض فتياك؛ فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، فقال: يا أيها الناس من كنا أفتيناه فتيا فليتئد: لا يستعجل؛ فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فأتموا: هذا الأصل أن تكون كلمة المسلمين واحدة، وقد يقتنع الإنسان، أو يتبع الإنسان من أمر باتباعه ولو كان عنده أصل كما هنا؛ لئلا يشق عصا الطاعة ويتخلخل الصف لا سيما إذا كان القول الثاني له وجه، وإلا سيأتي في خلاف علي مع عثمان أنه قال:"دع عنك".
الحق لا بد من اتباعه، لكن إذا كانت المسألة محتملة، والإمام يأمر بشيء له وجه في الشرع ولو كان مرجوحاً لا يخالَف، ولذا أبو موسى تراجع عن فتياه وقد وقعت له وأمره النبي -عليه الصلاة والسلام-.
رويدك بعض فتياك؛ فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك، فقال: يا أيها الناس، من كنا أفتيناه فتيا فليتئد: يتريث لا يستعجل؛ فإن أمير المؤمنين قادم عليكم فبه فأتموا، قال: فقدم عمر -رضي الله عنه- فذكرت ذلك له، فقال: إن نأخذ بكتاب الله فإن كتاب الله يأمر بالتمام: {أَتِمُّواْ الْحَجَّ} [(١٩٦) سورة البقرة]: أحرمتم بالحج أتموا الحج، أحرمتم بالعمرة أتموا العمرة، وهذا يقتضي أن لا يقلب -أن لا تقلب النية من حج إلى عمرة-.
وإن نأخذ بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحلَّ حتى بلغ الهدي محله: ما حلَّ، وأنت يا عبد الله بن قيس تريد أن يحل الناس.
نعم، عبد الله بن قيس معه النص الصحيح الصريح الذي لا يحتمل التأويل، اللهم إلا أن يقال -على ما سيأتي-: إن هذا خاص بالصحابة تلك السَّنة، وحينئذ يكون نهي عمر في محله، اجتهاده في محله -رضي الله عنه وأرضاه-.