يريد أن يقرب العلم إلى الطالبين بعد أن فترت الهمم، وهذا مقصد طيب يؤجر عليه؛ لكن طالب العلم من قبله عليه أن يعنى بالأصول، ولا يقتصر على المختصرات، إذا أراد أن يقتصر على المختصرات فليختصر هو بنفسه، هو يختصر لنفسه صحيح مسلم، الآن مسلم جمع الروايات كلها، يطلع على هذه الروايات ويختصر بنفسه، ليكون علمه بما حُذف كعلمه بما ذُكر، والمختصر قد يحذف أشياء يرى أنه لا داعي لذكرها، وغيره في أمس الحاجة إليها، ويظهر هذا جلياً في صحيح البخاري، يقتصر طلاب العلم على المختصرات، ويحفظون هذه المختصرات، ويهملون الأصول، وكم يفوتهم من علوم من فقهٍ في غاية الدقة للإمام، ومن دعمٍ لهذا الفقه بفقه الصحابة والتابعين وفقه السلف، والمختصر ما عليه إلا أن يقتصر على اللفظ المرفوع، ويحذف الأسانيد، والأسانيد في غاية الأهمية لطالب العلم، ولا يعلم طالب العلم أن البخاري لا يمكن أن يكرر حديث في موضعين بإسناده ومتنه من غير فائدة، أبداً، لا بد أن يجد اختلاف بين هذه الأسانيد والمتون مما يترتب عليه فائدة ظهرت أو خفيت؛ لكن مع المران والاستمرار والمعاناة تظهر هذه الفوائد، ماذا يصنع صاحب المختصرات الذي يعتمد على هذه المختصرات إذا جاء إلى كتاب من كتب صحيح البخاري المتأخرة التي مرّ أكثر أحاديثه في أوائل الكتاب، يعني نضرب مثال، كتاب الرقاق مثلاً من صحيح البخاري، كتاب أبدع فيه الإمام البخاري، واستنبط استنباطات لا تخطر على بال طالب العلم في تراجم كثيرة جداً، وذكر فيه من الأحاديث مائة وثلاثة وتسعين حديثاً، المختصر كم ذكر من الأحاديث؟ كم تتوقعون ذكر من الأحاديث؟ سبعة أحاديث، أين بقية الأحاديث؟ تقدمت صحيح في مواضعها؛ لكن في هذا الموضع طالب العلم بحاجةٍ ماسة إليها، حينما يرجع إلى كتاب الرقاق مثلاً وهو بحاجة إلى أحاديث في هذا الباب، وآثار الصحابة والتابعين واستنباطات البخاري وتوجيهاته وتوفيقه بين النصوص شيء عجب، فكون طالب العلم يقتصر على المختصر ماذا يفوته من العلم؟ نعم أنت اختصر الصحيح بنفسك واستفيد، تكون على ذكرٍ مما حذفت، ولا تحذف شيئاً أنت بحاجة إليه مستقبلاً لا بأس، والاختصار اختصار الكتب وسيلة من وسائل التحصيل، هذا مرّ