فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالكٍ عن ابن شهابٍ عن سليمان بن يسار" تقدم الكلام على هؤلاء، وسليمان بن يسار أحد الفقهاء السبعة من التابعين، من فقهاء المدينة "عن عبد الله بن عباس -حبر الأمة، وترجمان القرآن- أنه قال: "كان الفضل" يعني أخاه الفضل بن عباس "رديف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" رديف يعني وراءه، ركب خلفه على الدابة، وفي هذا جواز الإرداف على الدابة إذا كانت مطيقة لذلك، بحيث تتحمل الإرداف، وهذا أمرٌ ينظر فيه إلى الراكب والمركوب، فإن كان الراكب من وزنٍ يحتمل الإرداف فلا بأس به، وإذا كان المركوب يطيق ذلك .. ، فبعض الناس تحتمل الدابة منه جمعاً اثنين وثلاثة وأربعة، وبعض الناس لا تحتمله بمفرده، فالمسألة ينظر فيها إلى كل حالة بمفردها، وجمع من أردف النبي -عليه الصلاة والسلام- فبلغوا نحو الثلاثين، وألف فيهم ابن مندة جزءً، كل هذا يدل على جواز الإرداف، وعلى تواضعه -عليه الصلاة والسلام-، وبعض الناس ينتطي دابة بمفرده أنفةً أن يركب معه أحد، لئلا يظن أن فيه المساواة، ومنهم من يركب السيارة بمفرده، ومنهم من يستقل الطائرة بمفرده، كل هذا من باب الأنفة؛ لئلا يركب مع الناس، أو يُركب معه الناس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ركب على الحمار، أشرف الخلق، وأكرمهم على الله، وأردف وراءه ما يزيد على الثلاثين من صحابته -رضوان الله عليهم-.
"فجاءته امرأةٌ من خثعم تستفتيه" فدل على حرص ذلك الجيل على أمور الدين، وأن المرأة تستفتي فيما ينوبها من الأحكام الشرعية، ولا تترك ذلك كما يفعله كثيرٌ من نساء الوقت، وإن كان الآن ظهر شيء من ذلك من كثرة الاستفتاء لسهولة وسائل الاتصال، يعني المرأة لا يشق عليها أن ترفع التلفون وتستفتي، لكن قبل كان النساء تموت المرأة وحاجتها ومسألتها في صدرها ما تستفتي أحد؛ لأنه يلزم عليها الخروج من بيتها إلى من تستفتيه، هذه خرجت للحج، فجاءت إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- تستفتيه.