أنا أقول: من عانى علم الحديث يطرب لمثل هذا التكرار، ولذلكم لو أحدٌ منكم قرأ في مواقيت الصلاة، من صحيح مسلم، وذكر أسانيد كثيرة وألفاظ وكذا، الذي لا يعرف مثل هذه الأمور يقول: ما الفائدة؟ ومسلم جاء بكلامٍ لا مناسبة له في هذا المقام؛ ليبين أهمية مثل هذه التصرفات في هذه الأسانيد التي لا يدركها كثيرٌ من طلاب العلم، مسلم -رحمه الله- لما ساق أحاديث مواقيت الصلاة ببراعة فائقة عن شيوخه الحفاظ الضابطين المتقنين، قال: وقال يحيى بن أبي كثير: لا يستطاع العلم براحة الجسم، يعني هل شخص مسترخي مرتاح يبي يحفظ مثل هذه الأسانيد بألفاظها ومتونها، ويؤديها كما سمعها؟ مستحيل، لا يستطاع العلم براحة الجسم، وعلى هذا على طالب العلم أن يتذوق مثل هذه الأمور، ويعرف لماذا أورد مسلم هذه؟ صحيح الإمام البخاري على طوله وعرضه وكثرة تكراره، يكرر الحديث أحياناً في عشرين موضع، وطريقة البخاري في التكرار أيضاً ما هي مثل طريقة مسلم يجمعها في مكانٍ واحد، يستغنى ببعضها عن بعض، في كل موضع يستنبط حكم من هذا المتن الذي أورده، وقد أورده سابقاً، واستنبط منه حكماً آخر، فاستنبط من الحديث عشرين فائدة، أودعها في تراجمه على هذه الروايات، بعض الناس يقول: ليش البخاري يكرر في عشرين موضع؟ ألا تعلم أنه لم يكرر حديث واحد في موضعين من غير فائدة، سواءٌ كانت في متنه أو في إسناده، ما كرر ولا حديث واحد بلفظه بإسناده ومتنه إلا في نحو عشرين موضع من سبعة آلاف وخمسمائة موضع، نادرة، فالإنسان الذي يعاني مثل هذه الأمور، ويتذوقها لا شك أنه يتكشف له أشياء يتمنى أن الإمام مسلم لو أطال وأورد كل ما بلغه من الروايات ليستفيد، وكل رواية فيها فائدة زائدة، ولولا أننا محصورون بوقت معين كان تكلمنا عليها من كل ناحية، لكن الإشكال أننا ما أخذنا ولا ربع المقرر الآن.