فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "حدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة" لما أن أتم النبي -عليه الصلاة والسلام- حجه نزل الأبطح وهذا بمكة، ولما قفل راجعاً إلى مدينته -عليه الصلاة والسلام- أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، وهي قريبةٌ جداً من المدينة، قريبة من المدينة "البطحاء التي بذي الحليفة فصلى بها" يعني أدركته الصلاة فصلى بها، وهل الصلاة في هذا المكان في هذه البطحاء، في هذا المكان المبارك لها ميزة بحيث تقصد الصلاة فيها؟ إن وافقت فريضة فبها ونعمت، وإلا انتظرت الفريضة أو صلي بها نافلة، أو أن هذا مكان اتفاقي؟ يعني لم يكن عن قصد، إنما أناخ به -عليه الصلاة والسلام- ونام فيه؛ لكي لا يفجأ الرجال نسائهم بالمدينة، وقد نهى عن ذلك، نهى النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يطرق الرجل أهله ليلاً؛ ليكونوا على علمٍ بمجيئه، وليستعدوا له، ولئلا يطلع منهم على شيء ينفره منهم، فمن أهل العلم من يرى أن هذا المكان مقصود، وهو مبارك، ويناخ فيه، وينام فيه، ويصلى فيه، فإن كان وقت فريضة كفى، وإلا أنشأ نافلة أو انتظر فريضة، وهذا ما كان يصنعه ابن عمر -رضي الله تعالى عنه-، ومنهجه وطريقته في مثل هذا معروف، ويرجحه الإمام مالك، وقد جاء الأمر للنبي -عليه الصلاة والسلام- وقت إحرامه بأن قيل له:"صلِ في هذا الوادي المبارك" فأمر بالصلاة في هذا الوادي، وأمر أن يحرم منه، وقل:"حجةً وعمرة" فمن أهل العلم من يرى كالإمام مالك رأي ابن عمر، ابن عمر رأيه مطرد في مثل هذا، أي مكان ينزل فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- ينزل فيه ابن عمر، وذكر ابن عبد البر -رحمه الله- في التمهيد أن ابن عمر كان يكفكف دابته لتطأ أقدامها على مواطئ أقدام دابة النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن مثل هذه الأمور، وإن عملها من عملها كابن عمر لكنها غير مشروعة؛ لأن أكابر الصحابة، ومن هو أفضل من ابن عمر لم يعملها، ما فعلها أبوه ولا أبو بكر، وهما أفضل منه، ولا غيرهما من الصحابة، لكن مثل هذا الوادي، أو هذه البطحاء التي وصفت بالبركة، ما الفائدة من وصفها بالبركة؟ هل