الفائدة منها أن تخص بمزيد تعبد؟ أو أن هذا وصف كاشف يبين فضل هذه البقة وأنها لا تزيد على غيرها في العبادة؟ لا شك أن مثل هذا ينتابه وجهات النظر، منهم أن يقول: إن البقاع المقدسة هي ما جاءت النصوص بالحث على الصلاة فيها، وبيان مضاعفتها وفضلها، وما عدا ذلك وإن ذكر فيه شيء من المزية، أو شيء من البركة.
يعني الشام بلادٌ مباركة، هل معنى هذا أن الصلاة في الشام أفضل من الصلاة في غيرها من البلدان؟ لا يعني هذا، وإن وصفت بالبركة {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [(١) سورة الإسراء] بلاد الشام كلها حول بيت المقدس، فهي بلاد مباركة، لكن هل يعني هذا أن البركة في العبادة فيها؟ وأنها تضاعف على غيرها؟ أو أن خيرها تكون مباركة كما هو الواقع؟ على كل حال القول الثاني له حظٌ من النظر، وهو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أناخ بهذا الوادي، وبهذه البطحاء لكي يستعد النساء لأزواجهن، وقد جاء الأمر بذلك أن لا يطرق الرجل أهله ليلاً، والعلة ظاهرة، فكيف ما اتفق له أن يبيت بات، لو افترضنا أنه بعد هذا المكان بكيلو واحد أو قبله بكيلو مكان مناسب للنوم، فندق أو شبهه، معد للنزول والراحة، هل نقول: إلا تجلس في هذا الوادي المبارك؟ والآن في وسائل الاتصال ما يقوم مقام مثل هذا العمل من النوم قبل دخول البلد، يعني قبل ساعة أو ساعتين من الوصول تتصل على أهلك تقول: أنا باقي لي ساعتين، وينتهي الإشكال، لا سيما وأن العلة معقولة، والعلة منصوصة، وإذا نص على العلة فإن الحكم يدور معها وجوداً وعدماً، بخلاف العلل المستنبطة، فأكثر أهل العلم لا يرون أن لهذه البطحاء مزية من أجل النوم فيها، وإنما نام النبي -عليه الصلاة والسلام- فيها اتفاقاً، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما دخل مكة بات بذي طوى، وابن عمر لا يدخل مكة إلا يبيت بذي طوى، ولا عرف عن أحدٍ من الصحابة أنه كان يفعله، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، يدل على أن هذا حسب التيسير، إن كان هذا المكان أيسر من غيره بها ونعمت، أولى، وإن لم يكن أيسر من غيره فالمتيسر هو الأصل.
"أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة، فصلى بها، وكان عبد الله بن عمر يفعل ذلك.