قيل بذلك، قيل بذلك وأن المضاعفة والتعظيم يشمل غير الصلاة، فمن تصدق بصاع في المدينة أو في مكة كان أجره أعظم وأكثر ممن تصدق بالصاع في غيرهما من البلدان، ولا شك أن الأماكن المعظمة شرعاً لا بد من هذا، لا ما يعظمه الناس تبعاً لأهوائهم، إنما ما جاء تعظيمه في الشرع وثبتت به النصوص من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لا شك أن له مزية، فللَّه أن يختار من خلقه ما شاء من الأشخاص والأزمان والأماكن، كما قرر ذلك العلامة ابن القيم في أول كتابه النافع (زاد المعاد)، وعلى هذا تكون الأعمال الصالحة -كالصدقة مثلاً- يزاد في ثوابها، ولا يقال: إنه مثل زيادة الصلاة بألف صلاة، أو بألف صاع مثلاً في المدينة، ومائة ألف صاع في مكة، لا؛ إنما النص دل على الصلاة وما عدا ذلك له ما يناسبه من شرف المكان ويزيد بذلك إذا كان هناك شرف للزمان.
قال: وحدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا بكر -يعني ابن مضر- عن ابن الهاد: بدون ياء.
الهاد، والقاعدة: أن المنقوص إذا اقترن بأل، تلحقه الياء، وإنما تحذف الياء إذا جرد عن (أل) في حالتي الرفع والجر، أما في حالة النصب (هادياً) تثبت، ولذا يقولون: إن الجادة أن يقال: عمرو بن العاصي، هذا الأصل؛ لأنه منقوص فيه (أل)، فتثبت الياء.
قد يقول قائل: الكبير المتعال في القرآن، نعم، لكن هذا روعي فيه رؤوس الآي، روعي فيه رؤوس الآي، وعلى كل حال إذا كان الحذف لا يوقع في لبس، وجرت به العادة ولاكته الألسنة مثل: ابن الهاد ومثل: ابن العاص، فلا يظهر أن هناك ما يمنع، لا سيما وقد تتابعوا على ذلك.
عن أبي بكر بن محمد عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن رافع بن خديج قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن إبراهيم حرم مكة، وإني أحرم ما بين لابتيها)) يعني المدينة: اللابتان تنثية لابة، وهي الحرة، الأرض التي تعلوها الحجارة السود، ما بين اللابتين حرم، ويدخل في ذلك اللابتان أيضاً من الحرم، وهذه حدودها من جهة الشرق والغرب، وأما من جهة الشمال والجنوب فما بين عير إلى ثور على ما سيأتي.