((من أراد أهل هذه البلدة بسوء -يعني المدينة- أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): قد يقول قائل: أريدت المدينة وأريد أهلها بسوء، واستبيحت زمن الحرة وما ذابوا، ولا حصل لهم شيء، استبيحت في الحرة وما حصل لهم شيء، ((من أراد أهل هذه البلدة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): واستبيحت المدينة.
((أذابه الله كما يذوب الملح في الماء)): لا شك أن الذين شاركوا في استباحتها يوم الحرة أنهم عوجلوا بالعقوبة، عوجلوا بالعقوبة وماتوا قريباً من زمن الاستباحة، يعني ما طالت أعمارهم بل عوجلوا، والله المستعان.
وهل المراد حقيقة الأسلوب كما يذوب الملح في الماء؟
إن كان المراد هذا الوعيد على مر العصور -يعني من زمن الصحابة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة- فلا شك أن الذي حصل -وقد حصل أريدت هذه البلدة بسوء وما ذابوا مثل ذواب الملح في الماء- وإن كان المراد بذلك الاستمرار إلى قيام الساعة فقد يحصل في آخر الزمان ذوبانهم كما يذوب الملح في الماء حقيقة.
يعني هل يراد حقيقة التعبير أنهم يذوبون يتلاشون، أو أن هذا كناية عن أنهم يتفرقون ولا تقوم لهم قائمة؟ يعني ما حصل في زمن الصحابة عام الحرة -أو سنة الحرة- هذا لا شك أنهم ما ذابوا مثلما يذوب الملح في الماء، إلا أنهم تلاشوا وتفرقوا ولم تقم لهم قائمة بعد ذلك، وهذا ذوبان، وإن كان المراد به إلى قيام الساعة فقد يأتي ما يصدق الخبر، والخبر قول من لا ينطق عن الهوى، خبر الصادق المصدوق، فما حصل يحمل على ما تقدم، وما يحصل قد يذوبون كما يذوب الملح، وهذا الذي يغلب على الظن، وهذا الذي يغلب على الظن أنه يأتيها أناس فيما بقي من الزمان -في آخره- ثم بعد ذلك يذوبون كما يذوب الملح في الماء حقيقة، ولا مانع من وجود هذه الحقيقة؛ وإذا أخذهم الله -جل وعلا- أخذهم أخذ عزيز مقتدر، لا يفلتهم، ولا مانع أن يذوبوا كما يذوب الملح في الماء.